يقدم
رجل من (أزد شنوءة) يدعى ( ضمان بن ثعلبة الأزدي) وكان يرقي من هذه الريح ]مس الجن[ فسمع إشاعة :
سفهاء
مكة (يشيعون) : إن محمداً مجنون .
ضمان
( في نفسه : لو أني أتيت هذا الرجل ، لعل الله يشفيه على يديّ .
(ويلقى
ضماد محمداً صلى الله عليه وسلم) .
ضماد
( ناصحاً) : يا محمد ، إني أرقي من هذه الريح ]الجنون[ وإن
الله يشفي على يدي من شاء ، فهل لك ؟ (أي هل لك رغبة في رقيتي؟) .
رسول
الله صلى الله عليه وسلم : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له
، ومن يضلل فلا هاد لـه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه ، وأن محمداً
عبده ورسوله ، أما بعد :
ضماد
(متأثراً) : أعد عليّ كلماتك هؤلاء . (يعيد الرسول صلى الله عليه وسلم خطبته ثلاث
مرات) .
ضماد
: لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء ، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء
، ولقد بلغن قاموس البحر ]وسطه
، ولجته[ هات يدك أبايعك على الإسلام . ( يبايع ضمان الرسول صلى الله عليه
وسلم) .
الرسول
صلى الله عليه وسلم (مستفهماً) : وعلى قومك ؟
ضماد
: وعلى قومي (أبايعك على قومي)
(يبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيمرون على قومه)
صاحب
السرية (للجيش) : هل أصبتم هؤلاء شيئاً ؟
رجل
من القوم : أصبت منهم مطهرة ( وعاء للوضوء) .
صاحب
السرية : ردوها ، فإن هؤلاء قوم ضمان .
من فوائد الحديث والقصة :
1- العرب
قبل الإسلام كانت تعتقد بمس الجن ، ويسمونه (الريح) وجاء الإسلام ، فأقره ، قال
الله تعالى : {الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}
2- من
العرب من كان يرقي من مس الجن ، وربما استعانوا بالجنب ، فأبطل الإسلام هذه
الاستعانة ، وقال الله تعالى عنهم : {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ
بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (زاد الكفار خوفاً وإثماً وطغياناً) .
وبعض
المسلمين يستعينون بالجن لمداواة المرضى ، أو لفك السحر ، وهذا من الشرك الأكبر
الذي يحبط العمل ، ويزيدهم طغياناً وكفراً ، وعلى المسلم أن يتداوى بقراءة
المعوذتين .
أ- كان
الرسول صلى الله عليه وسلم يتعوذ من أعين الجان ، وأعين الإنسان ، فلما نزلت
المعوذتان أخذ بهما ، وترك ما سواهما .
ب- وعن
عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه
بالمعوذتين ، وينفث ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه بالمعوذتين وأمسح بيده عليه
رجاء بركتها .
3- من
العرب في الجاهلية من يعتقد أن الشافي هو الله وحده ، وبعض المسلمين - مع الأسف
الشديد - يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره يشفي من الأمراض المختلفة .
فقد
قال الأخ ( أحمد محمد جمال) في جريدة المدينة : ( وفي روايات متعددة يصف الرسول
صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه (رحمة مهداه) إلى الإنسانية ، ليخرجها من الظلمات
إلى النور ، ويشفي قلوبها وأبصارها وأبدانها من الأسقام الحسية والمعنوية معاً ،
والدليل على رد كلامه ما جاء في القرآن والحديث :
أ- قال
الله تعالى على لسان إبراهيم : {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}
ب- وقال
الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اللهم رب الناس أذهب البأس ، وأشف أنت الشافي ، لا
شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً) .
4- خطبة
الحاجة يسمعها ( ضماد) فيتأثر بها ويطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم إعادتها ،
ويبايعه على الإسلام مع قومه ، لأنها تحتوي على حمد الله ، والاستعانة ، وأن
المعبود بحق هو الله وحده .
النص
الكامل لخطة الحاجة :
إن
الحمد لله ، نحمد ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هاد له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَ}
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ
الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
.
أما
بعد ،، فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاته ،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
من
فوائد الخطبة العظيمة :
1- هذه
الخطبة وردت من حديث لجابر رضي الله عنه قال فيه : (إن النبي صلى الله عليه وسلم
يقول ذلك إذا خطب ، كما رواه مسلم والنسائي وغيرهما ، وذلك يشمل الخطب كلها ،
وبصورة خاصة خطبة الجمعة ، فقد جاء ا لتنصيص عليها عند مسلم في رواية له ، فعلى
الخطاب أن يحيوا هذه السنة .
2- يستفاد
من الخطبة عدم الاستعاذة عند قراءة الآيات أثناء الخطبة ، أو الكلام ، أو المحاضرات
، أو غيرها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستعذ عند قراءتها ، والاستعاذة شرعت
عند قراءة القرآن فقط .
3- قول
الله تعالى : {وَاتَّقُواْ
اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ}
فيه دليل على جواز السؤال بالله تعالى : وأما حديث : ( لا يسأل بوجه الله إلا
الجنة ) فضعيف ، وعلى فرض صحته ، فهو محمول على سؤال الأمور الحقيرة .
4- يجوز الاقتصار على جزء من أول الخطبة كما فعل الرسول صلى الله عليه
وسلم في أول القصة التي أسلم فيها الصحابي (ضماد) .
هذه هي خطبة الحاجة التي كان الرسول صلى الله عليه
وسلم يعلم أصحابه أن يقولوها بين يدي كلامهم في أمور دينهم سواء كانت خطبة نكاح أو
جمعة ، أو محاضرة ، وللشيخ الألباني رسالة مطبوعة اسمها : ( خطبة الحاجة) .