الخميس، 9 يناير 2014

مقدمة ملحمة جلجامش

ملحمة جلجامش هي ملحمة سومرية مكتوبة بخط مسماري على 11 لوحا طينيا اكتشفت بالصدفة عام 1853 م في موقع أثري عرف فيما بعد أنه كان المكتبة الشخصية للملك الآشوري آشوربانيبال في نينوى في العراق ويحتفظ بالالواح الطينية التي كتبت عليها الملحمة في المتحف البريطاني.
تبدأ الملحمة بالحديث عن جلجامش ملك أورك الذي ثلثاه إله و الثلث الباقى بشر.
تنسب له ممارسات سيئة منها ممارسة الجنس مع كل عروس جديدة وأيضاً تسخير الناس في بناء سور ضخم حول أورك العظيمة.
ابتهل سكان أورك للآلهة بأن تجد لهم مخرجا من ظلم جلجامش فاستجابت الآلهة وقامت احدى الالهات واسمها أرورو بخلق رجل وحشي كان الشعر الكثيف يغطي جسده ويعيش في البرية مع الحيوانات ويسمى انكيدو.
أصبح انكيدو يخلص الحيوانات من مصيدة الصيادين فقام الصيادون

برفع شكواهم إلى الملك جلجامش الذي أمر إحدى خادمات المعبد بالذهاب ومحاولة إغراء أنكيدو بجسدها.
نجحت راهبة المعبد وبدات بتعليم أنكيدو الحياة المدنية ثم تبدأ باخبار أنكيدو عن قوة جلجامش وكيف أنه يدخل بالعروسات قبل أن يدخل بهن أزواجهن وعندما يسمع أنكيدو هذا يقرر أن يتحدى جلجامش في مصارعة كي يجبره على ترك تلك العادة.
يتصارع الإثنان بشراسة حيث أن الإثنان متقاربان في القوة ولكن في النهاية تكون الغلبة لجلجامش وبعد هذه الحادثة يصبح الأثنان صديقين حميمين ويخوضان معا الكثير من المغامرات الى أن يموت انكيدو ويحزن عليه جلجامش ويقرر البحث عن طريقة للخلود وتستمر أحداث الملحمة الممتعة.
ثبت تاريخيا أن جلجامش كان شخصية حقيقية، فقد كان ملك العراق فعلاً وقد وجدت بقايا السور الذى بناه حولها.


    أكد الباحث الأثري العراقي الراحل طه باقر، أن هذه الملحمة هي أقدم نوع من أدب الملاحم البطولية في جميع الحضارات، وأنهشا أطول وأكمل ملحمة عرفتها حضارات العالم القديم، وليس هنالك ما يقرن بها أو ما يضاهيها من آداب الحضارات القديمة قبل الإلياذة والأوديسة في الأدب اليوناني، وقد ظهرت هاتان الملحمتان بعدها بثمانية قرون. وأبعد من ذلك ذهب إلى أنه لو لم يأتنا من حضارة وادي الرافدين، من منجزاتها وعلومها وفنونها، شيء سوى هذه الملحمة، لكانت جديرة بأن تتبوأ تلك الحضارة مكانة سامية بين الحضارات العالمية القديمة.
هذه الملحمة التي دونت قبل أكثر من أربعة آلاف سنة ما زالت مثار اهتمام واسع على صعيد عالمي. ولدى زيارته جناح الآثار العراقية في متحف اللوفر بباريس، ومشاهدته تمثالا لجلجامش وهو يحمل أسدا وأفعى يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، تبلورت في ذهن الدبلوماسي المغربي عبد القادر الجموسي فكرة استيحاء الملحمة عبر عمل لا يكون ترجمة لما جاء في الألواح السومرية الأحد عشر، بل باعتماد صياغة أدبية حديثة لحكاية الملك جلجامش، صياغة تحتفظ للنص الأصلي بعناصره الأساسية ومخزونه الثقافي الحضاري. كما تغامر في اتخاذ خيارات سردية وجمالية تمنحه حيوية راهنة ونكهة ذاتية تخاطب القارئ المعاصر وتستجيب لأفق انتظاره الفني; وتتعمد أحياناً إرباكه بشحنة خيالية مغايرة للمألوف تزج به في فضاءات متخيل قديم متواصل ومتجدد.
وإذ يؤكد أن ملحمة «جلجامش» هي وثيقة إنسانية كونية بامتياز، فهو يرى أن نص

الملحمة المتعارف عليه Standard Version، وهي الأطول والأكمل من نوعها حتى الآن، قد صيغ بطريقة بديعة حملت لنا عبر العصور والأزمنة المتعاقبة علامات بارزة عن القدرة الابتكارية في التوليف والسرد والبناء الدرامي والإيحاء الرمزي التي كان يتمتع بها الكاتب/الناسخ العراقي القديم; كما عكست لنا بأسلوب فني شيق، وببراعة مدهشة، شواغله الوجودية ورؤيته للحياة والموت والجمال والخير والعدل.
لقد عمد الجيوسي في تدوين حكايته الملحمية إلى بث نفحات ذاتية تأملية من ذائقته الفنية وتجربته الشعورية الخاصة التي تتماشى مع روح الملحمة منطلِقاً من صميم علاقته الخاصة مع الكلمة والفكر والحياة. وهو يقول انه تجرأ «على ملء فضاءات ما تزال مهمشة أو ناقصة ـ حسب رأي أهل الاختصاص في الحفريات ـ لكنها مع ذلك تسبغ جسد الملحمة بمسحة من الغموض والإبهام الجليل الملهم والمستفز للخيال والإبداع. وكأن الملحمة تريد من خلال هذا البياض المؤجل والسكوت المحرض أن تستفيد من لعبة الغياب والمنسوخ لتعيد كتابة نفسها بشكل إبداعي متجدد يجعلها على اتصال وتفاعل حواري حيوي مع حساسيات الأجيال المتعاقبة إلى يومنا الراهن».
لقد حاول المؤلف أن يتخلص من قيود الترجمة التي قد تفرض ثقلها على نص شعري قديم، واستعان بأهم محاورها لتدعم النص الذي كتبه. وبالعودة إلى ترجمة طه باقر نجد أنه عنون الفصل الأول منها بـ«جلجامش وأنكيدو»، واستهله بالمقطع التالي: هو الذي رأى كل شيء فغنّي بذكره يا بلادي/ وهو الذي رأى جميع الأشياء وأفاد من عبرها/ وهو الحكيم العارف بكل شيء:/ لقد أبصر الأسرار وكشف عن الخفايا المكتومة/ وجاء بأنباء ما قبل الطوفان/ لقد سلك طرقاً بعيدة متقلباً ما بين التعب والراحة/ فنقش في نصب من الحجر كل ما عاناه وخبره.
إلا أن الكاتب وخارج تصرفه الشكلي بالنصوص الشعرية، دوّن الجانب السردي بتصرف أوسع، وكتبه بلغة اليوم، وكأنه شاهد بنفسه أحداث الملحمة تجري الآن وكتب عنها، مع التمسك بالمضامين والسياقات العامة لها. وبالإضافة إلى فصل الاستهلال، واصل سرد حكايته الملحمية عبر أربعة فصول أخرى، وقد حمل الفصل الثاني عنوان «جلجامش وأنكيدو: الميثاق المقدس»، وتضمن ثلاثة أجزاء هي: جلجامش ملك أوروك ـ مجيء أنكيدو ـ مصرع همبابا الرهيب. وجاء الفصل الثالث تحت عنوان «لعنة عشتار»، وتألف من جزأين هما: عشتار والثور السماوي ـ موت أنكيدو. وأطل علينا
الفصل الرابع «تغريبة جلجامش: رحلة البحث عن الخلود»، متضمنا الأجزاء الثلاثة التالية: البشر.. العقارب/ سيدوري صاحبة الحانة/ أورشنابي عابر بحر الموت. أما الفصل الخامس والأخير «أوتنابشتم يحكي قصة الطوفان»، فقد تألف من ثلاثة أجزاء كالتالي: لقاء جلجامش وأوتنابشتم ـ قصة الاختبار والعودة.
في الفصل الأخير يلخص الجموسي محنة جلجامش وخيبة مسعاه وعدم يأسه في آن. 

لقد حصل على نبتة الخلود من أوتنابشتم الذي اختبره بأن ينام ستة أيام كاملة من دون أن يحرك ساكناً، وذلك بعد مخاضات ومغامرات عسيرة ومميتة شهدتها رحلته الجريئة، فقد خلالها صديقه أنكيدو. وقد طلب أوتنابشتم إلى أورشنابي أن يقود سفينة تحمل جلجامش إلى أرضه الأولى. وكان جلجامش، وهو يحمل معه نبتة الخلود، يقول لرفيق عودته وهو ممتلئ بالغبطة والزهو: «إن هذه النبتة تطيل عمر الإنسان وتعيد إليه عنفوان الشباب.