الخميس، 9 يناير 2014

ملخص سيرة جلجامش ومصادرها

كان كلكامش او جلجامش ابنا للإلهة ننسون حملت به من أوروك المدعو لوجال بندا، فجاء ثلثه انسان وثلثاه إله ، متفوقا على جميع الرجال بخصائصه الجسمية والعقلية ، حكم أوروك وهو في مقتبل العمر ، فطغى و بغى على أهلها حتى ضاقت بهم السبل ، فحملوا شكواهم الى مجمع الآلهة بطلبون منها العون على رد مليكهم الى جادة الصواب . استمع الآلهة إلى الشكوى وارتأوا خلق ندٍ لكلكامش يعادله قوة وجبروتا ليدخل الاثنان في تنافس دائم يلهي
كلكامش عن رعيته ، و عهدوا بهذه المهمة إلى الإلهة الخالقة آرورو ، المعروفة في الاساطير الرافدينية بانها خالقة الجنس البشري ، فقامت آرورو بخلق انكيدو من قبضة طين رمتها في الفلاة.


نشأ إنكيدو مع الغزلان في البراري ، يطوف الفلاة مع القطعان كواحد منها. و في أحد الايام رآه صياد فتى وهرع الى ابيه يحدثه بشأنه ، فاقترح عليه الأب أن ينقل الخبر إلى ملك البلاد . مضى الصياد فمثل في حضرة الملك وقص عليه خبر الرجل الوحش ، فاهتم كلكامش بالأمر و رغب في احضار ذلك المخلوق الغريب إليه . أمر كاهنة حب من معبد عشتار أن تذهب مع القتى الى البرية وتحاول استمالة ذلك الرجل ثم تأتي به اليه بعد أن يفيء إلى أحضانها و يأمن إليها . وتكمن المرأة و الفتى عند النبع الذي يرده انكيدو للشرب مع القطعان ، وفي نهاية ثلاثة ايام من الانتظار يظهر انكيدو ، فتبرز إليه المرأة و تكشف له عن مفاتنها . ينسى إنكيدو صحبه من ذوات الظلف و الحافر و يقترب من المرأة ويلامسها وتلامسه ، ثم يفيء الى احضانها ثلاثة أيام . وعندما يحاول القيام ليلحق بربعه يجد أن ساقيه لم تعودا قويتين وأنه غير قادر على الركض كالسابق ، فيرجع الى المرأة التي تبدأ تحدثه عن كلكامش ، وعن مدينة أوروك و تقنعه بانه لم يخلق لحياة البراري بل لحياة القصور ، فيتوق إنكيدو للقاء كلكامش عله يحظى بصديق . ولكن كان عليه قبل ذلك ان يتحداه مظهرا قوته ونديته له . تقود المرأة انكيدو الى مساكن الرعاة ، و هناك تلبسه الثياب وتعلمه أكل الخبز وشرب الخمر واسلوب الحياة المدنية ، وبعد فترة تنطلق به إلى أوروك.

وصل الاثنان الى المدينة و هي في ذروة احتفال كبير ، فابتهج الناس لرؤية انكيدو و هتفوا إنه ند لكلكامش . سيدخلان في تنافس دائم وتستريح اوروك . وبينما كلكامش يخطو عتبة باب المعبد لأداء طقوس العيد ، تصدى له إنكيدو في الساحة وتحداه ، فدخل الاثنان في صراع اهتزت له جدران المعبد ، وكانت الغلبة أخيرا لكلكامش الذي طرح خصمه ارضا ومنع حركته . و هنا تهدأ ثورة كلكامش و يرخي قبضته عن غريمة ثم يستدير ماضيا في طريقه ، فيناديه إنكيدو بكلمات تمتدح رجولته و مروءته ، وتكون فاتحة صداقة عميقة بين الطرفين . و ما نلبث أن نجد إنكيدو مقيما في القصر الملكي صديقا وناصحا للملك.

عقب لقائه بإنكيدو غيّر كلكامش من سلوكه في الحكم والادارة ، وأرخى قبضته عن رعيته . وما نلبث أن نراه في حالة تأمل عميق في مسألة الحياة والموت ، راغبا في الاقدام على فعل جليل يخلد ذكره عبر الازمان بعد ماته . ثم يفضي يمكنون فؤاده إلى انكيدو ويطلعه على نيته في الشروع بمغامورة كبيرة تستهدف الوصول الى غابة الارو في أقصى الغرب وقتل حارسها خمبابا ، الذي أقامه هناك الإله إنليل ، و أوكله برعاية المكان وحمايته . يجزع انكيدو لسماع ذلك ، فهو رأى الوحش خمبابا عندما كان يطوف البراري مع القطعان و ناله منه الخوف الشديد ، رآه يزأر في الغابة كعاصفة الطوفان ، ومن فمه تندفع ألسنة اللهب وأنفاسه تجلب الموت الزؤام عن مسافة بعيدة , وبعد نقاش ومداولة ، رضخ انكيدو لرغبة كلكامش ومضى الاثنان إلى معبد الإلهة ننسون للحصول على بركتها ، فصلّت ننسون إلى الإله شمش ، حامي كلكامش ، ودعته أن يحفظ ابنها وصديقه ويرجع بهما سالمين . وعند البوابة التي اجتازها البطلان في طريقهما خارج أوروك تجمع الناس لوداعهما ، وأتى شيوخ أوروك لإسداء النصح لهمما وتوصية انكيدو بالسهر على سلامة صاحبه.

بعد رحلة مليئة بالمخاطر والاهوال، وصل الصديقان أطراف غابة الأرز واقحما بوابتها المسحورة التي سببت شللا مؤقتا لذراع انكيدو ، ثم أخذا يقطعان شجر الارز . و ما لبث صوت خمبابا أن سُمع هادرا من اعماق الغابة يتساءل عن الذي تجرأ على اقتحام الغابة وقطع شجرها . انقض خمبابا على الغريبين دون مقدمات ، ودارت بين
الطرفين معركة حامية الوطيس ، مالت في البداية لصالح خمبابا ، ولكن الإله شمش امدهما بثمانية انواع من الرياح هبت في وجه الوحش وشلت حركته ، فأمسكا به وقطعا رأسه فقدماه قربانا لشمش.

عاد البطلان إلى اوروك وغسلا عنهما وعثاء السفر . وعندما اكمل كلكامش ارتداء لباسه الملكي ، شخصت الإلهة عشتار إلى قامته الفارغة وهامت به حبا ،و عرضت عليه الزواج منها معددة الهدايا والاعطيات التي ستمنحه إياها إذا قبل العرض ، لكن كلكامش رفض عرض عشتار منددا بخيانتها المعروفة لعشاقها و أزواجها ، وذلك بكلمات قاسية لاذعة جرحت كبرياء الإلهة . ثارت ثائرة عشتار وعرجت صاعدة الى السماء العليا ، فمثلت في حضرة كبير الآلهة آنو و شكت إليه إهانة كلكامش ، طالبة ان يسلمها قياد ثور السماء ، الكائن الوحشي المهول ، لتهلك به كلكامش ، وهددت إنها في حال الرفض سوف تحطم بوابات العالم الاسفل فيخرج الموتى ليأكلوا و يشربوا مع الاحياء وتعم المجاعة في الارض . نزل آنو عن رغبة الإلهة الغاضبة وأسلمها قياد ثور السماء فأطلقته في مدينة أوروك يعيث فسادا فيها و يهلك المئات من اهلها ، ولكن كلكامش وإنكيدو ما لبثا أن تصديا للثور ، وبعد صراع مرير قتلاه وقدماه قربانا للإله شمش.

بعد هذا الحدث الجلل ، عقد الآلهة اجتماعا في السماء و قرروا أن يموت أحد البطلين عقوبة لهما على قتل خمبابا و ثور السماء ، و وقع الخيار على انكيدو . وقع إنكيدو فريسة الحمى بضعة عشر يوما ، ثم أسلم الروح بين ذراعي كلكامش الذي راح يدور حول صديقه المسجى ، كلبوة فقدت أشبالها وهو بين مصدق ومكذب ، يبكي ويقطع شعر رأسه ، احتفظ كلكامش بجثة انكيدو ثلاثة ايام رافضا تسليمه للدفن عسى من بكائه عليه ان يفيق انكيدو من غيبوبته ، إلى ان سقطت دودة من انف الجثة التي اخذت تتفسخ ، عند ذلك صحا كلكامش من هذيانه وتأكدت له الحقيقة المرة . أقام لإنكيدو طقوس حداد لائقة ، ثم انسل من قصره وحيدا شريدا تطارده فكرة الموت ، لقد تحول جزعه على صديقه الراحل إلى قلق على مصيره الشخص و خوف من موته هو.

تطوح كلكامش في البراري يصطاد الحيواات فيغتذي بلحومها و يقنص الآساد فيرتدي جلودها ، وهدفه الوصول الى الحكيم أوتنابشتيم ، المخلوق الوحيد الذي انعمت عليه الآلهة بالخلود واسكنته مع زوجته في جزيرة نائية تقع خارج العالم المعروف ، وتفصلها عنه مفازات لا نهاية لها وبحر يموج بمياه الموت ، كان عازما على الوصول اليه باي ثمن ليسأله عن سر الحياة والموت ، وكيف يستطيع الانسان تحقيق الخلود لنفسه.

وصل كلكامش الى جبال ماشو ، التي تحرس ذراها المتقابلة الفوهة التي تنزل منها الشمس الى باطن الارض ، لتسير مسارها الليلي قبل شروقها من الطرف الآخر ، وهناك سهّل له البشر العقارب الموكلون بتلك الجبال ، عبور مسالكها ، ودلوه على أقصر طريق يوصله إلى اوتنابشتيم ، عبر كلكامش مسالك جبال ماشو ووصل الى فوهة الشمس فنزل فيها ليصل عبرها الى الطرف الآخر من العالم ، وفي عمل معجز لا يقدر عليه سوى إله ، اجتاز ممر
الشمس السفلي في أقل من ليلة واحدة ، وخرج من الطرف الآخر ليجد نفسه على شاطئ البحر الذي يفصله عن جزيرة اوتنابشتيم ، وهناك تقيم سيدوري ساقية حان الآلهة ، حيث يتوقف الخالدون للراحة و تناول الشراب . فزعت سيدوري لرؤية ذلك العملاق الاشعث الاغبر الذي يرتدي جلود الأسود ، فدخلت خانتها و أوصدت الباب ، فناداها كلكامش معلنا عن هويته وقصده ، ولما اطمئنت إليه و فتحت الباب قص عليها قصته وطلب معونتها . تصادف وصول كلكامش مع وجود ملاح اوتنابشتيم المدعو اورشنابي في المكان يحتطب من أجل سيده ، فدلت سيدوري كلكامش على مكانه ، وأخبرته بانه الوحيد الذي يستطيع بقاربه عبور مياه الموت ، وذلك بمعونة رُقُم حجرية عليها طلاسم سحرية.

انطلق كلكامش كسهم مارق الى حيث دلته سيدوري ، و في غمرة اضطرابه وهيجانه داس فوق الرقم الحجرية التي كان يضعها اورشنابي جانبا وهو يحتطب ، فبعثرها وحطمها ، فقال له اورشنابي ، بعد ان كشف له كلكامش عن شخصيته و أخبره بقصته طالبا منه العون على حمله الى اوتنابشتيم ، بأن يديه قد حالتا دون عبوره لأنه قد كسر الرُقُم التي تعين المركب على اجتياز مياه الموت . وبعد تقليب الامور على وجهها ، توصل اورشنابي إلى حل للمشكلة ، فمياه الموت التي تبدأ حدودها بعد مسيرة طويلة في البحر ، هي مياه راكدة والهواء فوقها ساكن ، حيث لا ريح تدفع ولا مجذاف ينفع ، وحيث الرذاذ إذا تطاير يقتل باللمس ، وقد ارتأى الملاح المجرب ان يعمدا الى الدفع بالمردي ، وهو مجذاف طويل يستخدم عن طريق ركز طرفه السفلي في قاع الماء لا عن طريق التجذيف العادي ، فطلب من كلكامش ان يحتطب من الغابة مئة وعشرين مرديا طول الواحد منها ستين ذراعا ، ففعل كلكامش ، أبحر الاثنان في المركب الذي قطع في ثلاثة ايام رحلة تستغرق في الزمان المعتاد والمكان المعتاد مسيرة شهر ونصف ، ثم ولج المركب في مياه الموت ، حيث طلب اورشنابي من كلكامش ان يبدأ باستخدام المردي ، وكان عليه ان يستعمل كل مردي لمرة واحدة فقط ثم يتركه بعد الدفع الى الماء ، لئلا تمس يده ما علق عليه من ماء قاتل.

وصل كلكامش الى اوتنابشتيم ، و قص عليه قصته وما جرى له ، و رجاه ان يخبره كيف استطاع تحقيق الخلود لنفسه من دون بني البشر ، فقص عليه اوتنابشتيم قصة الطوفان العظيم بجميع تفاصيلها وكيف انتهت الى مكافأته بنعمة الخلود ، فقد قرر الآلهة إرسال طوفان على الارض يفني كل نسمة حية ، وحددوا لذلك موعدا ، و لكن الإله ايا الذي حضر الاجتماع وعرف القرار ، نقل الى الحكيم اوتنابشتيم ملك مدينة شوريباك قرار الآلهة ، و أمره ببناء سفينة عملاقة يحمل فيها أهله ونخبه من اصحاب الحرف و أزواجا من حيوانات البرية ووحوشها ، ففعل اوتنابشتيم ، وعندما ازفت الساعة وانداح الطوفان ، ابحر اوتنابشتيم بسفينته واغلق منافذها ، دامت عاصفة الطوفان ستة ايام والمركب تتقاذفه الامواج
، حتى رسى في اليوم السابع على قمة جبل يدعى نصير ، فتح اوتنابشتيم كوة و تطلع حدود الافق ، كان الهدوء شاملا والبشر قد آلوا في الطين ، فخرج واطلق ركاب السفينة ، وقدم بعض حيواناته قربانا للآلهة ، حصر الآلهة مسرعين لنداء نار القربان و قد تملكهم الندم على مافعلوا ، وعندما رأوا ما فعله اوتنابشتيم و كيف انقذ بذرة الحياة على الارض ، فرحوا لذلك وقام انليل باسباغ نعمة الخلود على اوتنابشتيم و زوجته مكافآة له على صنيعه ، و أسكنها في هذه الجزيرة . ثم ينهي بطل الطوفان قصته بالقول الى كلكامش : والآن يا كلكامش ، من سيدعو مجلس الآلهة الى الاجتماع من أجلك ، فتجد الحياة التي تبحث عنها؟

بعد ذلك دعا اوتنابشتيم كلكامش الى اختبار عسير يثبت من خلاله استعداده و مقدرته على قهر الموت الاكبر بقهر الموت الاصغر وهو النوم ، فكان عليه ان يجلس في وضعية القعود ستة ايام و سبع ليال دون ان يطرق الكرى أجفانه . قعد كلكامش قابلا تحدي اوتنابشتيم مصمما على قهر النوم ، و لكنه بعد وقت قصير ، غرق في سبات عميق استمر ستة ايام ، وفي اليوم السابع هزه اوتنابشتيم فأفاق معتقدا انه لم ينم الا هنيهة ، وعندما عرف حقيقة ما وقع له وتأكد من فشله في الاختبار ، استعد لمغادرة الجزيرة و معه اورشنابي الذي امره اوتنابشتيم بمغادرة المكان دون رجعة و مرافقة كلكامش الى اوروك.

و بينما هما يدفعان المركب بعيدا عن الشاطئ ، شعرت زوجة اوتنابشتيم بالشفقة على كلكامش و هي تراه يعود خالي الوفاض بعد رحلته المستحيلة إليهم ، واقترحت على زوجها ان يقدم له بعضا مما قدم لاجله ، نادى اوتنابشتيم كلكامش واطلعه على سرة نبته شوكية تعيش في اعماق المياه الباطنية ، مسكن الإله انكي ، وتحمل خصيصة تجديد شباب من يأكل منها إذا بلغ الشيخوخة . غاص كلكامش في القناة المائية التي تصل الى الآبسو ، مجمع المياه السفلية العذبة ، رابطا إلى قدميه حجرا ثقيلا يشده نحو الاسفل ، وهناك رأى النبتة فاجتثها بعد ان ادمت اشواكها يديه ، ثم حل وثاقه صاعدا نحو الاعلى ، وهناك عرضها امام اوتنابشتيم و زوجته شاكرا ، وقال لهما إنه سيحملها معه الى اوروك ليجعل الشيوخ يقتسمونها فيما بينهم ، وإنه سيأكل منها أيضا عندما يكبر.

انطلق الاثنان في طريق العودة الطويل ، وفي غحدى المحطات التي توقفا عندها للراحة ، رأى كلكامش بركة ماء بارد فنزل إليها واستحم بمائها تاركا النبتة عند الضفة ، فانسلت حية إلى النبته واكلتها وبينما هي راجعة الى وكرها تجدد جلدها ، جلس كلكامش عند الضفة وقد انهار تمام بعد ان فقد الامل في تجديد الشباب ، وقال لاورشنابي وهو يبكي بكاء مرا : ” لمن أضنيت يا اورشنابي يدي ، ولمن بذلت دماء قلبي؟ لم اجن لنفسي نعمة ما ، بل لحية التراب جنيت النعمة” ، ثم يتابع الاثنان طريقهما .. وعندما يصلان اوروك ، يشير كلكامش الى سور اوروك الذي بناه قائلا لاورشنابي : “أي اورشنابي ، أعلُ سور اوروك إمش عليه ، إلمس قاعدته ، تفحص صنعة آجره ، أليست لبنائة من آجر مشوي ، والحكماء السبعة من ارسى له الاساس” ) . و تنتهي الملحمة بوصف اوروك.(51)
مصادر ملحمة جلجامش



يمكن تقسيم المراجع التي منها أُخذ نص ملحمة كلكامش وتمحور في صورته النهائية الى : المصدر السومري ، و المصدر البابلي.

أولا: المصدر السومري

حتى الآن تم التوصل الى ستة نصوص تدور موضوعاتها كالتالي:

1 – كلكامش و أرض الاحياء

2 – كلكامش و ثور السماء

3 – كلكامش و شجرة الحلبو

4 – كلكامش و إنكيدو و العالم الاسفل

5 – كلكامش و أجا

6 – موت كلكامش ، وهذه النصوص جميعها تم تدوينها في عصر أسرة أور الثالثة.

ما يهمنا في النصوص السابقة ، هو محاولة الكشف عن طريقة موت كلكامش، و كما هو واضح فان النص السادس – ترتيبا- متعلق بقضية الموت ، فاننا نجد ان المنية توافي كلكامش في حينها ، مع إشارة غامضة إلى مقاومته لها و رفضه القبول بمصير البشر ، وهناك شخص آخر يحاول اقناعه بالنهاية المحتومة لكل الاحياء ، و يعتقد بعض المفسرين ان المقربين من كلكامش قد رافقوه الى العالم الاسفل ، وذلك وفق التقليد الذي كان شائعا في عصر الاسرات الاولى ، و هذا ما تؤكده المقابر الملكية لمدينة أور السومرية ، لكن اكتشاف بعض المقابر المتبعة لهذا التقليد لا يصلح للتعميم و الجزم بانه تم اتباع ذلك التقليد عند موت كلكامش.

و في النص المتعلق بموضوع كلكامش و أجا ملك كيش ، فان النص مفيد لانه ذو طابع تاريخي ، يقص علينا حدثا وقع ايام حكم كلكامش ، و هو متمثل في مطالبة الملك أجا حاكم مدينة كيش السومرية بخضوع اوروك مدينة كلكامش له ، فدعا الملك كلكامش شيوخ المدينة و استشارهم في الموضوع ، لكن النتيجة كانت مخيبة له ، لانهم صوتوا للرضوخ لسلطان اجا ، فتحول كلكامش للشباب ليجد لديهم الحماس المطلوب ، ليرفض بعد تصويت الشباب على الحرب عرض أجا ، فيحاصر أجا اوروك ، ولكن كلكامش يُفشل حصاره ، ليعقد الطرفان صلحا دائما بينهما.

ثانيا: المصدر البابلي

وهو ثلاثة نصوص :

أ) النص البابلي القديم (2000 – 1600 ق.م ) ، و هو يحتوي على 8 ألواح ، ولا توجد في النص قصة ثور السماء و لا لقاء أوتنابشتيم ، و لكن بالتحليل فان النص يشمل تلك القصص ، ويظهر منه انه لم يترجم من النص السومري مباشرة ، إنما كان يعتمد على نسخ اكادية اخرى ، و تفصيل ذلك تجده في كتاب (كلكامش) للباحث فراس السواح.(55)

ب) النص البابلي الوسيط (1600 – 1000 ق.م ) ، وهو متلخص في ترجمتان : حيثية و حورية ، بالاضافة الى كسرات من نسخ أكدية ، و هذا النص بمصادره الثلاث هذه ، غير كاملة. (56)

ج) النص البابلي المتأخر (الاساسي) ، ويرجع الى 1250 ق.م ، و قد أكتشف في مكتبة آشوربانيبال في نينوى ، و هي تتكون من 12 لوحة ، و قد حافظ الكاتب البابلي في هذه الملحمة على بعض التقاليد الادبية السومرية ، و يعتبر هذا النص الاوسع و الصورة النهائية للملحمة ، وقد جرى خلاف حول اللوح الثاني عشر ، ففيه نرى انكيدو حيا مرة أخرى ، بعد ان كان موته ذروة الملحمة الدرامية ، فقيل انه مضاف من بعض النساخ فيما بعد ، ويرى السواح ان احد الكهنة البابليين قد اراد ان يكون هذا الفصل جزءا من الملحمة. واضف الى ذلك زيادتين هما المقدمة و قصة الطوفان الكاملة ، والتي يُرى بانها مأخوذة من اسطورة اتراحسيس .