بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛ فهذه مختارات من كتاب: (الانتصار لأهل الأثر) لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى-.
وقد اعتمدتُ الطبعة التي نشرتها دار عالم الفوائد بتحقيق أخي العزيز الشيخ البَحّاثة المُدَقّق: عبد الرحمن بن حسن قائد –حفظه الله وزاده من فضله-.
وهاهي الفوائد بين يديك –أيها القارئ الكريم- منسَّقة معزوَّة إلى صفحاتها من الكتاب، عسى الله أن يجعلني وإياك ممن يقرأ العلم النافع فيهتدي به.
1. لا يجوز التواطؤ على كتمان ما يُحتاج إلى نقله ومعرفته؛ لجَرَيان ذلك في القُبح مجرى التواطؤ على نقل الكذب وفِعْل ما لا يَحِلّ. ص5
2. وهذا الجواب من مالك -رضي الله عنه- في الاستواء شافٍ كافٍ في جميع الصفات، مثل: النزول، والمجيء، واليد، والوجه، وغيرها، فيقال في مثل النزول: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وهكذا يُقال في سائر الصفات؛ إذ هي بمثابة الاستواء الوارد بها الكتاب والسنة. ص7
3. فمذهب السلف رضوان الله عليهم إثباتُ الصفات وإجراؤها على ظاهرها، ونفيُ الكيفية عنها؛ لأن الكلام في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات، وإثبات الذات إثباتُ وجود لا كيفيّة، فكذلك إثبات الصفات، وعلى هذا مضى السلف كلهم، ولو ذهبنا نذكرُ ما اطّلعنا عليه من كلام السلف في ذلك = لخرجنا عن المقصود في هذا الجواب.
فمن كان قصده الحقُّ وإظهارُ الصواب = اكتفى بما قدّمناه، ومن كان قصده الجدال والقيل والقال والمكابَرة = لم يَزِدْه التطويلُ إلا خروجًا عن سواء السبيل. ص10-11
4. مِن المعلوم أنَّ أهلَ الحديث يشاركون كلَّ طائفة فيما يَتَحَلَّون به من صفات الكمال، ويَمتازون عنهم بما ليس عندهم، فإن المنازِعَ لهم لا بد أن يَذكرَ فيما يخالفهم فيه طريقًا أخرى، مثل المعقول والقياس والرأي والكلام والنظر والاستدلال والمُحَاجّة والمُجادَلة والمُكاشَفة والمُخاطَبة والوَجْد والذَّوق ونحو ذلك.
وكل هذه الطرق لأهل الحديث صفوتها وخُلاصتها؛ فهم أكمل الناس عقلًا، وأعدلهم قياسًا، وأصوبهم رأيًا، وأسدّهم كلامًا، وأصحّهم نظرًا، وأهداهم استدلالًا، وأقومُهم جدلًا، وأتمّهم فراسة، وأصدقهم إلهامًا، وأحدّهم بصرًا ومكاشَفة، وأصوبهم سمعًا ومخاطَبة، وأعظمهم وأحسنهم وَجْدًا وذَوقًا. ص13-14
5. فكلّ مَن استقرى أحوال العالَم = وجدَ المسلمين أحدّ وأسدّ عقلًا، وأنهم ينالون في المدّة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعافَ ما ينالُه غيرهم في قرون وأجيال.
وكذلك أهل السنّة والحديث تجدُهم بذلك متّصفين؛ وذلك لأن اعتقاد الحق الثابت يقوّي الإدراك ويصحِّحه. ص15
6. فإن الحياةَ بسبب اشتراك الناس في المعاش يُعَظِّم الرجل طائفته، فأما وقت الموت فلا بدَّ من الاعتراف بالحق من عموم الخلق. ص16
7. وهو [الإمام أحمد] إنما نَبُلَ عند الأمّة باتّباع الحديث والسنّة، وكذلك الشافعي وإسحاق وغيرُهما إنما نَبُلوا في الإسلام باتّباع الحديث والسنة، وكذلك البخاريّ وأمثالُه إنما نبلوا بذلك، وكذلك مالكٌ والأوزاعيُّ والثوريُّ وأبو حنيفةَ وغيرُهم إنما نبلوا في عموم الأمّة وقُبِل قولُهم لِمَا وافقوا فيه الحديث والسنة، وما تُكُلِّم فيمن تُكُلِّم فيه منهم إلا بسبب المواضع التي لم يتفق له متابعتها من الحديث والسنّة، إما لعدم بلاغها إياه، أو لاعتقاده ضعفَ دلالتها، أو رُجحان غيرها عليها. ص17
8. فالرادُّ على أهل البدع مجاهدٌ، حتى كان يحيى بن يحيى يقول: "الذبُّ عن السنّة أفضلُ من الجهاد".
والمجاهِد قد يكون عدلًا في سياسته، وقد لا يكون، وقد يكون فيه فجور، كما قال النبي صلى الله عنه وسلم : "إن الله يؤيّد هذا الدينَ بالرجل الفاجر وبأقوام لا خَلاق لهم"، ولهذا مضت السنة بأن يُغزَى مع كل أمير، بَرًّا كان أو فاجرًا.
والجهاد عملٌ مشكور لصاحبه في الظاهر لا محالة، وهو مع النية الحسنة مشكورٌ باطنًا وظاهرًا، ووجه شُكره: نصرُه للسنة والدين، فهكذا المنتصر للإسلام والسنة يُشكَر على ذلك من هذا الوجه.
فحَمْد الرِّجال عند الله ورسوله وعباده المؤمنين بحسب ما وافقوا فيه دين وسنّته وشرعه من جميع الأصناف. ص21-22
9. وإن كان أبو محمد [ابن حزم] في مسائل الإيمان والقَدَر أقومَ من غيره، وإن كان أعلمَ بالحديث وأكثر تعظيمًا له ولأهله من غيره، لكن قد خالطَ من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صَرَ فَتْهُ عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك، فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى.
وبمثل هذا صار يذمّه مَن يذمّه من الفقهاء والمتكلّمين وعلماء الحديث باتباعه لظاهر لا باطنَ له، كما نفى المعانيَ في الأمر والنهي والاشتقاق، وكما نفى خرق العادات ونحوه من كرامات الأولياء، مضمومًا إلى ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر، والإسراف في نفي المعاني ودعوى متابعة الظواهر، وإن كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مُكابِر.
ويوجدُ في كتبه من كثرة الاطّلاع على الأقوال، والمعرفة بالأحوال، والتعظيم لدعائم الإسلام ولجانب الرسالة ما لا يجتمعُ مثلُ ذلك لغيره، فالمسألة التي يكون فيها حديثٌ يكون جانبُه فيها ظاهرَ الترجيح. وله من التمييز بين الصحيح والضعيف والمعرفة بأقوال السلف ما لا يكاد يقعُ مثله لغيره من الفقهاء. ص30-31
10. تجدُ الإسلام والإيمان كلما ظهرَ وقَوِيَ =كانت السنّة وأهلها أظهر وأقوى، وإن ظهر شيءٌ من الكفر والنفاق = ظهرت البدع بحسب ذلك. ص32
11. كان المَهْديّ من خِيار خلفاء بني العبّاس، وأحسنهم إيمانًا وعدلًا وجُودًا. ص32
12. كانت البدع في القرون الثلاثة الفاضلة مقموعةً، وكانت الشريعةُ أعزَّ وأظهر، وكان القيامُ بجهاد أعداء الدين من الكافرين والمنافقين أعظم. ص33
13.التسوية بين المؤمن والمنافق، والمسلم والكافر = أعظمُ الظلم، وطلب الهدى عند أهل الضلال = أعظمُ الجهل. ص34
14. لمّا كانت مملكة محمود بن سُبَكْتَكِين من أحسن ممالك بني جنسه = كان الإسلام والسنّة في مملكته أعزّ، فإنه غزا المشركين من أهل الهند، ونشرَ من العدل ما لم ينشره مثله، فكانت السنّة في أيامه ظاهرة، والبدع في أيامه مقموعة.
وكذلك السلطان نور الدين محمود الذي كان بالشام، عزّ الإسلام والسنّة في زمنه، وأُذِلّ الكفار وأهل البدع ممن كان بالشام ومصر وغيرهما من الرافضة والجهمية ونحوهم.
15. اتّباع الحديث يحتاج أولًا إلى: صحّة الحديث، وثانيًا: إلى فهم معناه. ص37
16.كل شر يكون في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر، وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعلى وأعظم، وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم. ص38
17.أهل الحديث لا يستدلّون بحديث ضعيف في نقض أصل عظيم من أصول الشريعة، بل إما في تأييده، وإما في فرع من الفروع. ص39
18.إذا كانت سعادة الدنيا والآخرة هي باتباع المرسلين؛ فمن المعلوم أن أحقَّ الناس بذلك = أعلمُهم بآثار المرسلين وأتبعُهم لذلك، فالعالِمُون بأقوالهم وأفعالهم المتَّبعون لها هم أهل السعادة في كل زمان ومكان، وهم الطائفة الناجية من أهل كل ملّة، وهم أهل السنّة والحديث من هذه الأمّة، فإنهم يشاركون سائر الأمة فيما عندهم من أمور الرسالة، ويَمتازون عنهم بما اختصّوا به من العلم الموروث عن الرسول فيما يجهله غيرُهم أو يُكَذّب به. ص39-40
19. المعلوم من حيث الجُملة أن الفلاسفةَ والمتكلِّمين = من أعظم بني آدم حَشوًا، وقولًا للباطل، وتكذيبًا للحق، في مسائلهم ودلائلهم، لا يكادُ –والله أعلم- تخلو لهم مسألةٌ واحدةٌ عن ذلك. ص40
20. الشكّ في الباطل خيرٌ من الثبات على اعتقاده. ص43
21. جزم العلم غير جزم الهوى، فالجازِم بغير علم يجد من نفسه أنه غير عالِم بما جزمَ به، والجازِم بعلمٍ يجدُ من نفسه أنه عالِمٌ؛ إذ كون الإنسان عالِمًا وغير عالِم مثلُ كونه سامِعًا ومُبصِرًا وغير سامع ومُبصِر، فهو يعلمُ من نفسه ذلك مثلَ ما يعلمُ من نفسه كونَه مُحِبًّا ومبغضًا وكارهًا ومسرورًا ومحزونًا ومُنَعَّمًا وُمُعَذَّبًا وغير ذلك. ص45
22. العلم يحصل في القلب كما تحصل سائر الإدراكات والحركات بما يجعله الله من الأسباب، وعامّة ذلك بملائكة الله تعالى؛ فإن الله سبحانه يُنزِل بها على قلوب عباده من العلم والقوة وغير ذلك ما يشاء. ص47
23. قال ابن مسعود: "إن للمَلَك لَمّة، وللشيطان لَمّة، فلمّة الملَك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، ولَمّة الشيطان إيعادٌ بالشر وتكذيبٌ بالحق". ... وهو كلامٌ جامِعٌ لأصول ما يكون من العبد من علم وعمل، وشعور وإرادة. ص48-49
24. الشيطان وسواس خنّاس، إذا ذكر االعبدُ ربَّه خَنَسَ، فإذا غَفَلَ عن ذِكره وسوس، فلهذا كان ترك ذكر الله سببًا ومبدأً لنزول الاعتقاد الباطل والإرادة الفاسدة في القلب. ص52
25.ومن ذِكْر الله تعالى: تلاوة كتابه، وفهمه، ومذاكَرة العلم. ص52
26. فإذا كان النظر في دليلٍ هادٍ –كالقرآن- وسَلِمَ من معارضات الشيطان = تضمَّنَ ذلك النظر العلمَ والهدى، ولهذا أُمِر العبدُ بالاستعاذة من الشيطان الرجيم عند القراءة.
27. وأما النظر في مسألة معيّنة وقضية معينة لطلب حُكمها والتصديق بالحق فيها، والعبدُ لا يعرفُ ما يدلّه على هذا أو هذا = فمُجَرَّد هذا النظر لا يفيد، بل قد يقعُ له تصديقات يحسبها حقًا وهي باطل، وذلك من إلقاء الشيطان، وقد يقع له تصديقاتٌ تكون حقًا، وذلك من إلقاء المَلَك. ص56
28. والله سبحانه ربُّ كل شيء ومليكه، وهو معلِّم كل علم وواهبُه، فكما أن نفسه أصلٌ لكل شيء موجودٍ = فذِكْرُه والعلم به أصلٌ لكل علم وذِكْر في القلب. ص57
29.والقرآن يعطي العلمَ المُفَصَّل، فيزيدُ الإيمان. ص57
30. وحقيقةُ الأمر أن العبد مفتقِرٌ إلى ما يسأله من العلم والهدى طالبٌ سائلٌ، فبذِكْر الله والافتقار إليه = يهديه الله ويدلُّه. ص58
31.ومتى كان العلمُ مستفادًا بالنظر = فلا بدَّ أن يكون عند الناظر من العلم المذكور الثابت في قلبه ما لا يحتاج حصوله إلى نظر، فيكون ذلك المعلومُ أصلًا وسببًا للتفكّر الذي يَطلبُ به معلومًا آخر. ص58
32. كثيرٌ من أرباب العبادة والتصوّف يأمرون بملازمة الذكر، ويجعلون ذلك هو بابَ الوصول إلى الحق. وهذا حسنٌ إذا ضمّوا إليه تدبر القرآن والسنّة واتباع ذلك. ص60
33. حصول العلم في القلب كحصول الطعام في الجسم، فالجسم يحسّ بالطعام والشراب، وكذلك القلوب تُحِسُّ بما ينزل إليها من العلوم التي هي طعامُها وشرابُها. ص60
34. وكما أن لله ملائكة مُوَكَّلة بالسحاب والمطر = فله ملائكة موكَّلة بالهدى والعلم، هذا رِزق القلوب وقُوتها، وهذا رِزق الأجساد وقُوتها. ص61
35. والله وملائكته يصلّون على مُعَلِّم الناس الخير؛ لما في ذلك من عموم النفع لكل شيء. ص63
36. العلمُ الضروريُّ هو الذي يَلزمُ نفس المخلوق لُزومًا لا يمكنه الانفكاك عنه، فالمرجع في كونه ضروريًّا إلى أنه يَعجَزُ عن دفعه عن نفسه. ص65
37. كل من خالف الكتاب والسنن من خبر أو أمر أو عمل = فهو ظالم. ص71
38. أهل السنة والحديث أعظم الناس اتفاقًا وائتلافًا، وكل من كان من الطوائف إليهم أقرب كان إلى الائتلاف والاتفاق أقرب. ص74
39. قال تعالى: (ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم). فأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون، وأهلُ الرحمة هم أتباع الأنبياء قولًا وفعلًا، وهم أهل القرآن والحديث من هذه الأمة، فمن خالفهم في شيء فاته من الرحمة بقدر ذلك. ص76
40. من المعلوم أن العلم أصل العمل، وصحة الأصول توجب صحة الفروع، والرجل لا يصدر عنه فساد العمل إلا لشيئين: إما لحاجة وإما لجهل، فأما العالِم بقُبح الشيء الغنيُّ عنه فلا يفعله، اللهم إلا من غلب عقلَه هواه، واستولت عليه المعاصي، فذاك لونٌ وضربٌ ثانٍ. ص77
41. لا يُعرَف من أهل الكلام أحدٌ إلا وله في الإسلام مقالةٌ يُكفِّرُ قائلَها عموم المسلمين حتى أصحابه! ص77
42. كل طائفة من أهل الكلام يسمِّي ما وضعه "أصول الدين"، وهذا اسم عظيم، والمسمَّى فيه من فساد الدين ما الله به عليم. ص81
43. وهذا أبو حامد الغزالي مع فَرْط ذكائه وتألهه، ومعرفته بالكلام والفلسفة، وسلوكه طريق الزهد والرياضة والتصوّف = رجعَ إلى طريقة أهل الحديث، وصنَّفَ "إلجام العوام عن علم الكلام". ص106
44. وهذا إمام الحرمين تركَ ما كان ينتحله ويُقرِّرُه، واختار مذهب السلف. ص107
45.وأما الكذبُ والأسرار التي يدَّعونها عن جعفر الصادق فمن أكبر الأشياء، حتى يُقال: ما كُذِب على أحد ما كُذِبَ على جعفر رضي الله عنه . ص114-115
46. بابُ الكذب في الحوادث الكونية أكثر منه في الأمور الدينية. ص119
47. كل من اتّبعَ كلامًا أو حديثًا مما يُقال: إنه يُلْهَمُهُ صاحبُه ويُوحى إليه، أو أنه يُنشِئهُ ويُحدِثه مما يعارض به القرآن = فهو من أعظم الظالمين ظلمًا. ص127
48. ولطريقة أبي المعالي كان أبو محمد [العز بن عبد السلام] يَتْبعُ في فقهه وكلامه، لكنْ أبو محمد كان أعلمَ بالحديث وأتبعَ له من أبي المعالي وبمذاهب الفقهاء، وأبو المعالي كان أكثر اتّباعًا للكلام، وهما في العربية متقاربان. ص131
49.ومن المعلوم أن كلَّ من كان بكلام المتبوع وأحواله وبواطن أموره وظواهرها أعلم، وهو بذلك أقوم = كان أحقَّ بالاختصاص به.
ولا ريب أن أهل الحديث أعلمُ الأمة وأخصُّها بعلم الرسول وعلم خاصّته. ص134
50. وقد يكتبُ العالِمُ كتابًا أو يقولُ قولًا فيكونُ بعضُ من لم يشافهه به أعلمَ بمقصوده مِن بعض مَن شافهه به. ص136
51. يكون في أتباع الأئمة من هو أفهم لنصوصهم من بعض أصحابهم. ص137
52.ونحنُ لا نعني بأهل الحديث: المقتصرون على سماعه أو كتابته أو روايته، بل نعني بهم: كلَّ من كان أحقَّ بحفظه ومعرفته زفهمه ظاهرًا وباطنًا، واتّباعه باطنًا وظاهرًا، وكذلك أهلُ القرآن. ص141
53. فمن لا يحفظُ القرآنَ ولا يعرف معانيَه، ولا يعرف الحديث ومعانيَه، من أين يكون عارفًا بالحقائق المأخوذة عن الرسول؟! ص142
54.إذا تدبَّرَ العاقلُ وجدَ الطوائفَ كلما كانت الطائفةُ إلى الله ورسوله أقرب = كانت بالقرآن والحديث أعظمَ عناية، وإذا كانت عن الله ورسوله أبعد = كانت عنهما أنأى. ص142
55. عيبُ المنافقين للعلماء بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قديمٌ من زمن المنافقين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . ص143
56. بيَّن [الله] أن مَن هجر القرآن فهو من أعداء الرسل. ص156
57. المناظرة والمُحاجَّة لا تنفع إلا مع العدل والإنصاف. ص159
58. الألفاظ العِبْرِيّة تُقارِبُ العربية بعضَ المقارَبة، كما تتقاربُ الأسماء في الاشتقاق الأكبر، وقد سمعتُ ألفاظَ التوراة بالعِبريّة من بعض مُسْلِمة أهل الكتاب فوجدتُ اللغتين متقاربتين غاية التقارب، حتى صرتُ أفهم كثيرًا من كلامهم العِبري بمجرَّد المعرفة بالعربية. ص161-162
59. معلومٌ أن الأمة مأمورةٌ بتبليغ القرآن لفظه ومعناه، كما أُمِر بذلك الرسول، ولا يكون تبليغ رسالة الله إلا كذلك، وأن تبليغَه إلى العَجَم قد يحتاج إلى ترجمته لهم، فيُترجَمُ لهم بحسب الإمكان، والترجمةُ قد تحتاجُ إلى ضرب أمثال لتصوير المعاني، فيكون ذلك من تمام الترجمة. ص172
60. إذا تدبَّرَ المؤمنُ العليم سائر مقالات الفلاسفة وغيرهم من الأمم التي فيها ضلال وكفر = وجدَ القرآنَ والسنة كاشفًا لأحوالهم، مُبَيِّنًا لحقِّهم، مميِّزًا بين حقّ ذلك وباطله. ص197
كل مَن زعمَ بلسان حاله أو مقاله أن طائفةً غيرَ أهل الحديث أدركوا من حقائق الأمور الباطنة الغيبيّة في أمر الخلق والبعث والمبدأ والمعاد، وأمر الإيمان بالله واليوم الآخر، وتعرُّف واجب الوجود، والنفس الناطقة، والعلوم والأخلاق التي تزكو بها النفوس وتصلح وتكمل = فوق أهل الحديث، فهو فهو إن كان من المؤمنين بالرسل فهو جاهل فيه شعبة قوية من شعب النفاق، وإلا فهو منافق خالص من الذين إذا ﴿قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ كَمَآ ءَامَنَ ٱلسُّفَهَآءُۗ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَٰكِن لَّا يَعۡلَمُونَ﴾[البقرة:13]، وقد يكون من الذين: ﴿يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ﴾[غافر:35]، ومن الذين: ﴿يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ﴾[الشورى:16]. ص201-202
61.صفات الكمال: العلم، وإرادة الإحسان، والقدرة عليه. ص203
62. مَن اقتصدَ في قوله، وتَحرّى القولَ السديد = فإن الله يصلح عمله. ص207
63. الأسماء التي يتعلّق بها المدح والذمّ من الدين لا تكون إلا من الأسماء التي أنزلَ اللهُ بها سلطانه، ودلّ عليها الكتاب والسنّة أو الإجماع، كالمؤمن والكافر، والعالم والجاهل، والمقتصد، والملحد. ص209
64. أما الأسماء التي لم يدلَّ الشرعُ على ذمّ أهلها ولا مدحهم = فيُحتاجُ فيها إلى مقامين: أحدهما: بيان المراد بها. والثاني: بيان أن أولئك مذمومون في الشريعة. ص210
65. ليس مذهب السلف مما يُتستَّر به إلا في بلاد أهل البدع، مثل بلاد الرافضة والخوارج، فإن المؤمن المستضعَف هناك قد يكتم إيمانه واستنانه. ص212
66. لا عيبَ على مَن أظهر مذهب السلف، وانتسبَ إليه، واعتزى إليه، يل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًّا. ص213
67. لفظ "التجسيم" لا يوجد في كلام أحد من السلف، لا نفيًا ولا إثباتًا. ص216
68. العامّة لا تعرفُ من شعائر البدع إلا الرفض، والسنّي في اصطلاحهم من لا يكون رافضيًّا. ص219
69. شِعار أهل البدع: ترك انتحال اتّباع السلف. ص220
70. ابن عقيل الغالب عليه إذا خرج من السنة أن يميل إلى التجهّم والاعتزال في أول أمره، بخلاف آخر ما كان عليه، فقد خرج إلى السنّة المحضة. ص231-232
71.أبو حامد يميل إلى الفلسفة لكنه أظهرها في قالب والعبارات الإسلامية، ولهذا ردَّ عليه علماء المسلمين، حتى أخصّ أصحابه أبو بكر بن عربي. ص232
72. ما زال في الحنبليّة من يكون ميله إلى نوع من الإثبات الذي ينفيه طائفة أخرى منهم، ومنهم من يمسك عن النفي والإثبات جميعا، ففيهم جنس التنازع الموجود في سائر الطوائف، لكن نزاعهم في مسائل الدِّق، وأما الأصول الكبار فهم متفقون عليها، ولهذا كانوا أقل الطوائف تنازعًا وافتراقًا؛ لكثرة اعتصامهم بالسنة والآثار؛ لأن للإمام أحمد في باب أصول الدين من الأقوال المبيِّنة لما تنازع فيه الناس ما ليس لغيره، وأقوالُه مؤيّدة بالكتاب والسنة واتباع سبيل السلف الطيّب؛ ولهذا كان جميع من ينتحل السنّة من طوائف الأمة فقهائها ومتكلّمتها وصوفيّتها ينتحلونه. ص235
73. لا بدّ أن يكون بين المسلمين تنازع واختلاف، لكنه لا يزال في هذه الأمة طائفة قائمة بالحق، لا يضرّها من خالفها ولا من خذلها حتى تقوم الساعة. ص236
74. الناس في نقل مذاهب الأئمة قد يكونون بمنزلتهم في نقل الشريعة، ومن المعلوم أن أحدهم يقزل: حُكم الله كذا، أو حُكم الشريعة كذا، بحسب ما اعتقده عن صاحب الشريعة، بحسب ما بلغه وفهمه، وإن كان غيرُه أعلمَ بأقوال صاحب الشريعة وأعماله وأفهم لمراده. ص237
75. أصل السنّة مبناها على الاقتصاد والاعتدال دون البغي والاعتداء، وكان علمُ الإمام أحمد واتّباعه لها من الكمال والتمام على الوجه المشهور بين الخاصّ والعام ممن له بالسنّة وأهلها نوعُ إلمام. ص239
76. وقد ذكر اللهُ في كتابه من كلام الكفار والمنافقين في الأنبياء والمرسلين وأهل العلم والإيمان ما فيه عِبرة للمعتبر، وبيّنة للمستبصِر، وموعظةٌ للمتهوِّك المُتَحيِّر. ص240
77. الردّ بمجرّد الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد. ص260
78. اتّباع الإنسان لما يهواه هو أخذ القول والفعل الذي يحبه، وردّ القول والفعل الذي يبغضه بلا هدى من الله. ص263
79. كان السلف يسمّون أهل البدع والتفرّق المخالفين للكتاب والسنة "أهل الأهواء"؛ حيث قبلوا ما أحبّوه، وردّوا ما أبغضوه بأهوائهم بغير هدى من الله. ص264
80. الآمديّ لم يكن أحدٌ في وقته أكثر تبحّرًا في العلوم الكلامية والفلسفية منه. ص267
81....سيبويه الذي ليس في العالَم مثلُ كتابه، وفيه حِكمة لسان العرب. ص308
(تمّت بحمد الله) بواسطة : ضيف الله الشمراني
يوم الثلاثاء 24 / 2 /1436هـ ، المدينة النبوية .
أما بعد؛ فهذه مختارات من كتاب: (الانتصار لأهل الأثر) لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى-.
وقد اعتمدتُ الطبعة التي نشرتها دار عالم الفوائد بتحقيق أخي العزيز الشيخ البَحّاثة المُدَقّق: عبد الرحمن بن حسن قائد –حفظه الله وزاده من فضله-.
وهاهي الفوائد بين يديك –أيها القارئ الكريم- منسَّقة معزوَّة إلى صفحاتها من الكتاب، عسى الله أن يجعلني وإياك ممن يقرأ العلم النافع فيهتدي به.
1. لا يجوز التواطؤ على كتمان ما يُحتاج إلى نقله ومعرفته؛ لجَرَيان ذلك في القُبح مجرى التواطؤ على نقل الكذب وفِعْل ما لا يَحِلّ. ص5
2. وهذا الجواب من مالك -رضي الله عنه- في الاستواء شافٍ كافٍ في جميع الصفات، مثل: النزول، والمجيء، واليد، والوجه، وغيرها، فيقال في مثل النزول: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وهكذا يُقال في سائر الصفات؛ إذ هي بمثابة الاستواء الوارد بها الكتاب والسنة. ص7
3. فمذهب السلف رضوان الله عليهم إثباتُ الصفات وإجراؤها على ظاهرها، ونفيُ الكيفية عنها؛ لأن الكلام في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات، وإثبات الذات إثباتُ وجود لا كيفيّة، فكذلك إثبات الصفات، وعلى هذا مضى السلف كلهم، ولو ذهبنا نذكرُ ما اطّلعنا عليه من كلام السلف في ذلك = لخرجنا عن المقصود في هذا الجواب.
فمن كان قصده الحقُّ وإظهارُ الصواب = اكتفى بما قدّمناه، ومن كان قصده الجدال والقيل والقال والمكابَرة = لم يَزِدْه التطويلُ إلا خروجًا عن سواء السبيل. ص10-11
4. مِن المعلوم أنَّ أهلَ الحديث يشاركون كلَّ طائفة فيما يَتَحَلَّون به من صفات الكمال، ويَمتازون عنهم بما ليس عندهم، فإن المنازِعَ لهم لا بد أن يَذكرَ فيما يخالفهم فيه طريقًا أخرى، مثل المعقول والقياس والرأي والكلام والنظر والاستدلال والمُحَاجّة والمُجادَلة والمُكاشَفة والمُخاطَبة والوَجْد والذَّوق ونحو ذلك.
وكل هذه الطرق لأهل الحديث صفوتها وخُلاصتها؛ فهم أكمل الناس عقلًا، وأعدلهم قياسًا، وأصوبهم رأيًا، وأسدّهم كلامًا، وأصحّهم نظرًا، وأهداهم استدلالًا، وأقومُهم جدلًا، وأتمّهم فراسة، وأصدقهم إلهامًا، وأحدّهم بصرًا ومكاشَفة، وأصوبهم سمعًا ومخاطَبة، وأعظمهم وأحسنهم وَجْدًا وذَوقًا. ص13-14
5. فكلّ مَن استقرى أحوال العالَم = وجدَ المسلمين أحدّ وأسدّ عقلًا، وأنهم ينالون في المدّة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعافَ ما ينالُه غيرهم في قرون وأجيال.
وكذلك أهل السنّة والحديث تجدُهم بذلك متّصفين؛ وذلك لأن اعتقاد الحق الثابت يقوّي الإدراك ويصحِّحه. ص15
6. فإن الحياةَ بسبب اشتراك الناس في المعاش يُعَظِّم الرجل طائفته، فأما وقت الموت فلا بدَّ من الاعتراف بالحق من عموم الخلق. ص16
7. وهو [الإمام أحمد] إنما نَبُلَ عند الأمّة باتّباع الحديث والسنّة، وكذلك الشافعي وإسحاق وغيرُهما إنما نَبُلوا في الإسلام باتّباع الحديث والسنة، وكذلك البخاريّ وأمثالُه إنما نبلوا بذلك، وكذلك مالكٌ والأوزاعيُّ والثوريُّ وأبو حنيفةَ وغيرُهم إنما نبلوا في عموم الأمّة وقُبِل قولُهم لِمَا وافقوا فيه الحديث والسنة، وما تُكُلِّم فيمن تُكُلِّم فيه منهم إلا بسبب المواضع التي لم يتفق له متابعتها من الحديث والسنّة، إما لعدم بلاغها إياه، أو لاعتقاده ضعفَ دلالتها، أو رُجحان غيرها عليها. ص17
8. فالرادُّ على أهل البدع مجاهدٌ، حتى كان يحيى بن يحيى يقول: "الذبُّ عن السنّة أفضلُ من الجهاد".
والمجاهِد قد يكون عدلًا في سياسته، وقد لا يكون، وقد يكون فيه فجور، كما قال النبي صلى الله عنه وسلم : "إن الله يؤيّد هذا الدينَ بالرجل الفاجر وبأقوام لا خَلاق لهم"، ولهذا مضت السنة بأن يُغزَى مع كل أمير، بَرًّا كان أو فاجرًا.
والجهاد عملٌ مشكور لصاحبه في الظاهر لا محالة، وهو مع النية الحسنة مشكورٌ باطنًا وظاهرًا، ووجه شُكره: نصرُه للسنة والدين، فهكذا المنتصر للإسلام والسنة يُشكَر على ذلك من هذا الوجه.
فحَمْد الرِّجال عند الله ورسوله وعباده المؤمنين بحسب ما وافقوا فيه دين وسنّته وشرعه من جميع الأصناف. ص21-22
9. وإن كان أبو محمد [ابن حزم] في مسائل الإيمان والقَدَر أقومَ من غيره، وإن كان أعلمَ بالحديث وأكثر تعظيمًا له ولأهله من غيره، لكن قد خالطَ من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صَرَ فَتْهُ عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك، فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى.
وبمثل هذا صار يذمّه مَن يذمّه من الفقهاء والمتكلّمين وعلماء الحديث باتباعه لظاهر لا باطنَ له، كما نفى المعانيَ في الأمر والنهي والاشتقاق، وكما نفى خرق العادات ونحوه من كرامات الأولياء، مضمومًا إلى ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر، والإسراف في نفي المعاني ودعوى متابعة الظواهر، وإن كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مُكابِر.
ويوجدُ في كتبه من كثرة الاطّلاع على الأقوال، والمعرفة بالأحوال، والتعظيم لدعائم الإسلام ولجانب الرسالة ما لا يجتمعُ مثلُ ذلك لغيره، فالمسألة التي يكون فيها حديثٌ يكون جانبُه فيها ظاهرَ الترجيح. وله من التمييز بين الصحيح والضعيف والمعرفة بأقوال السلف ما لا يكاد يقعُ مثله لغيره من الفقهاء. ص30-31
10. تجدُ الإسلام والإيمان كلما ظهرَ وقَوِيَ =كانت السنّة وأهلها أظهر وأقوى، وإن ظهر شيءٌ من الكفر والنفاق = ظهرت البدع بحسب ذلك. ص32
11. كان المَهْديّ من خِيار خلفاء بني العبّاس، وأحسنهم إيمانًا وعدلًا وجُودًا. ص32
12. كانت البدع في القرون الثلاثة الفاضلة مقموعةً، وكانت الشريعةُ أعزَّ وأظهر، وكان القيامُ بجهاد أعداء الدين من الكافرين والمنافقين أعظم. ص33
13.التسوية بين المؤمن والمنافق، والمسلم والكافر = أعظمُ الظلم، وطلب الهدى عند أهل الضلال = أعظمُ الجهل. ص34
14. لمّا كانت مملكة محمود بن سُبَكْتَكِين من أحسن ممالك بني جنسه = كان الإسلام والسنّة في مملكته أعزّ، فإنه غزا المشركين من أهل الهند، ونشرَ من العدل ما لم ينشره مثله، فكانت السنّة في أيامه ظاهرة، والبدع في أيامه مقموعة.
وكذلك السلطان نور الدين محمود الذي كان بالشام، عزّ الإسلام والسنّة في زمنه، وأُذِلّ الكفار وأهل البدع ممن كان بالشام ومصر وغيرهما من الرافضة والجهمية ونحوهم.
15. اتّباع الحديث يحتاج أولًا إلى: صحّة الحديث، وثانيًا: إلى فهم معناه. ص37
16.كل شر يكون في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر، وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعلى وأعظم، وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم. ص38
17.أهل الحديث لا يستدلّون بحديث ضعيف في نقض أصل عظيم من أصول الشريعة، بل إما في تأييده، وإما في فرع من الفروع. ص39
18.إذا كانت سعادة الدنيا والآخرة هي باتباع المرسلين؛ فمن المعلوم أن أحقَّ الناس بذلك = أعلمُهم بآثار المرسلين وأتبعُهم لذلك، فالعالِمُون بأقوالهم وأفعالهم المتَّبعون لها هم أهل السعادة في كل زمان ومكان، وهم الطائفة الناجية من أهل كل ملّة، وهم أهل السنّة والحديث من هذه الأمّة، فإنهم يشاركون سائر الأمة فيما عندهم من أمور الرسالة، ويَمتازون عنهم بما اختصّوا به من العلم الموروث عن الرسول فيما يجهله غيرُهم أو يُكَذّب به. ص39-40
19. المعلوم من حيث الجُملة أن الفلاسفةَ والمتكلِّمين = من أعظم بني آدم حَشوًا، وقولًا للباطل، وتكذيبًا للحق، في مسائلهم ودلائلهم، لا يكادُ –والله أعلم- تخلو لهم مسألةٌ واحدةٌ عن ذلك. ص40
20. الشكّ في الباطل خيرٌ من الثبات على اعتقاده. ص43
21. جزم العلم غير جزم الهوى، فالجازِم بغير علم يجد من نفسه أنه غير عالِم بما جزمَ به، والجازِم بعلمٍ يجدُ من نفسه أنه عالِمٌ؛ إذ كون الإنسان عالِمًا وغير عالِم مثلُ كونه سامِعًا ومُبصِرًا وغير سامع ومُبصِر، فهو يعلمُ من نفسه ذلك مثلَ ما يعلمُ من نفسه كونَه مُحِبًّا ومبغضًا وكارهًا ومسرورًا ومحزونًا ومُنَعَّمًا وُمُعَذَّبًا وغير ذلك. ص45
22. العلم يحصل في القلب كما تحصل سائر الإدراكات والحركات بما يجعله الله من الأسباب، وعامّة ذلك بملائكة الله تعالى؛ فإن الله سبحانه يُنزِل بها على قلوب عباده من العلم والقوة وغير ذلك ما يشاء. ص47
23. قال ابن مسعود: "إن للمَلَك لَمّة، وللشيطان لَمّة، فلمّة الملَك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، ولَمّة الشيطان إيعادٌ بالشر وتكذيبٌ بالحق". ... وهو كلامٌ جامِعٌ لأصول ما يكون من العبد من علم وعمل، وشعور وإرادة. ص48-49
24. الشيطان وسواس خنّاس، إذا ذكر االعبدُ ربَّه خَنَسَ، فإذا غَفَلَ عن ذِكره وسوس، فلهذا كان ترك ذكر الله سببًا ومبدأً لنزول الاعتقاد الباطل والإرادة الفاسدة في القلب. ص52
25.ومن ذِكْر الله تعالى: تلاوة كتابه، وفهمه، ومذاكَرة العلم. ص52
26. فإذا كان النظر في دليلٍ هادٍ –كالقرآن- وسَلِمَ من معارضات الشيطان = تضمَّنَ ذلك النظر العلمَ والهدى، ولهذا أُمِر العبدُ بالاستعاذة من الشيطان الرجيم عند القراءة.
27. وأما النظر في مسألة معيّنة وقضية معينة لطلب حُكمها والتصديق بالحق فيها، والعبدُ لا يعرفُ ما يدلّه على هذا أو هذا = فمُجَرَّد هذا النظر لا يفيد، بل قد يقعُ له تصديقات يحسبها حقًا وهي باطل، وذلك من إلقاء الشيطان، وقد يقع له تصديقاتٌ تكون حقًا، وذلك من إلقاء المَلَك. ص56
28. والله سبحانه ربُّ كل شيء ومليكه، وهو معلِّم كل علم وواهبُه، فكما أن نفسه أصلٌ لكل شيء موجودٍ = فذِكْرُه والعلم به أصلٌ لكل علم وذِكْر في القلب. ص57
29.والقرآن يعطي العلمَ المُفَصَّل، فيزيدُ الإيمان. ص57
30. وحقيقةُ الأمر أن العبد مفتقِرٌ إلى ما يسأله من العلم والهدى طالبٌ سائلٌ، فبذِكْر الله والافتقار إليه = يهديه الله ويدلُّه. ص58
31.ومتى كان العلمُ مستفادًا بالنظر = فلا بدَّ أن يكون عند الناظر من العلم المذكور الثابت في قلبه ما لا يحتاج حصوله إلى نظر، فيكون ذلك المعلومُ أصلًا وسببًا للتفكّر الذي يَطلبُ به معلومًا آخر. ص58
32. كثيرٌ من أرباب العبادة والتصوّف يأمرون بملازمة الذكر، ويجعلون ذلك هو بابَ الوصول إلى الحق. وهذا حسنٌ إذا ضمّوا إليه تدبر القرآن والسنّة واتباع ذلك. ص60
33. حصول العلم في القلب كحصول الطعام في الجسم، فالجسم يحسّ بالطعام والشراب، وكذلك القلوب تُحِسُّ بما ينزل إليها من العلوم التي هي طعامُها وشرابُها. ص60
34. وكما أن لله ملائكة مُوَكَّلة بالسحاب والمطر = فله ملائكة موكَّلة بالهدى والعلم، هذا رِزق القلوب وقُوتها، وهذا رِزق الأجساد وقُوتها. ص61
35. والله وملائكته يصلّون على مُعَلِّم الناس الخير؛ لما في ذلك من عموم النفع لكل شيء. ص63
36. العلمُ الضروريُّ هو الذي يَلزمُ نفس المخلوق لُزومًا لا يمكنه الانفكاك عنه، فالمرجع في كونه ضروريًّا إلى أنه يَعجَزُ عن دفعه عن نفسه. ص65
37. كل من خالف الكتاب والسنن من خبر أو أمر أو عمل = فهو ظالم. ص71
38. أهل السنة والحديث أعظم الناس اتفاقًا وائتلافًا، وكل من كان من الطوائف إليهم أقرب كان إلى الائتلاف والاتفاق أقرب. ص74
39. قال تعالى: (ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم). فأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون، وأهلُ الرحمة هم أتباع الأنبياء قولًا وفعلًا، وهم أهل القرآن والحديث من هذه الأمة، فمن خالفهم في شيء فاته من الرحمة بقدر ذلك. ص76
40. من المعلوم أن العلم أصل العمل، وصحة الأصول توجب صحة الفروع، والرجل لا يصدر عنه فساد العمل إلا لشيئين: إما لحاجة وإما لجهل، فأما العالِم بقُبح الشيء الغنيُّ عنه فلا يفعله، اللهم إلا من غلب عقلَه هواه، واستولت عليه المعاصي، فذاك لونٌ وضربٌ ثانٍ. ص77
41. لا يُعرَف من أهل الكلام أحدٌ إلا وله في الإسلام مقالةٌ يُكفِّرُ قائلَها عموم المسلمين حتى أصحابه! ص77
42. كل طائفة من أهل الكلام يسمِّي ما وضعه "أصول الدين"، وهذا اسم عظيم، والمسمَّى فيه من فساد الدين ما الله به عليم. ص81
43. وهذا أبو حامد الغزالي مع فَرْط ذكائه وتألهه، ومعرفته بالكلام والفلسفة، وسلوكه طريق الزهد والرياضة والتصوّف = رجعَ إلى طريقة أهل الحديث، وصنَّفَ "إلجام العوام عن علم الكلام". ص106
44. وهذا إمام الحرمين تركَ ما كان ينتحله ويُقرِّرُه، واختار مذهب السلف. ص107
45.وأما الكذبُ والأسرار التي يدَّعونها عن جعفر الصادق فمن أكبر الأشياء، حتى يُقال: ما كُذِب على أحد ما كُذِبَ على جعفر رضي الله عنه . ص114-115
46. بابُ الكذب في الحوادث الكونية أكثر منه في الأمور الدينية. ص119
47. كل من اتّبعَ كلامًا أو حديثًا مما يُقال: إنه يُلْهَمُهُ صاحبُه ويُوحى إليه، أو أنه يُنشِئهُ ويُحدِثه مما يعارض به القرآن = فهو من أعظم الظالمين ظلمًا. ص127
48. ولطريقة أبي المعالي كان أبو محمد [العز بن عبد السلام] يَتْبعُ في فقهه وكلامه، لكنْ أبو محمد كان أعلمَ بالحديث وأتبعَ له من أبي المعالي وبمذاهب الفقهاء، وأبو المعالي كان أكثر اتّباعًا للكلام، وهما في العربية متقاربان. ص131
49.ومن المعلوم أن كلَّ من كان بكلام المتبوع وأحواله وبواطن أموره وظواهرها أعلم، وهو بذلك أقوم = كان أحقَّ بالاختصاص به.
ولا ريب أن أهل الحديث أعلمُ الأمة وأخصُّها بعلم الرسول وعلم خاصّته. ص134
50. وقد يكتبُ العالِمُ كتابًا أو يقولُ قولًا فيكونُ بعضُ من لم يشافهه به أعلمَ بمقصوده مِن بعض مَن شافهه به. ص136
51. يكون في أتباع الأئمة من هو أفهم لنصوصهم من بعض أصحابهم. ص137
52.ونحنُ لا نعني بأهل الحديث: المقتصرون على سماعه أو كتابته أو روايته، بل نعني بهم: كلَّ من كان أحقَّ بحفظه ومعرفته زفهمه ظاهرًا وباطنًا، واتّباعه باطنًا وظاهرًا، وكذلك أهلُ القرآن. ص141
53. فمن لا يحفظُ القرآنَ ولا يعرف معانيَه، ولا يعرف الحديث ومعانيَه، من أين يكون عارفًا بالحقائق المأخوذة عن الرسول؟! ص142
54.إذا تدبَّرَ العاقلُ وجدَ الطوائفَ كلما كانت الطائفةُ إلى الله ورسوله أقرب = كانت بالقرآن والحديث أعظمَ عناية، وإذا كانت عن الله ورسوله أبعد = كانت عنهما أنأى. ص142
55. عيبُ المنافقين للعلماء بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قديمٌ من زمن المنافقين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . ص143
56. بيَّن [الله] أن مَن هجر القرآن فهو من أعداء الرسل. ص156
57. المناظرة والمُحاجَّة لا تنفع إلا مع العدل والإنصاف. ص159
58. الألفاظ العِبْرِيّة تُقارِبُ العربية بعضَ المقارَبة، كما تتقاربُ الأسماء في الاشتقاق الأكبر، وقد سمعتُ ألفاظَ التوراة بالعِبريّة من بعض مُسْلِمة أهل الكتاب فوجدتُ اللغتين متقاربتين غاية التقارب، حتى صرتُ أفهم كثيرًا من كلامهم العِبري بمجرَّد المعرفة بالعربية. ص161-162
59. معلومٌ أن الأمة مأمورةٌ بتبليغ القرآن لفظه ومعناه، كما أُمِر بذلك الرسول، ولا يكون تبليغ رسالة الله إلا كذلك، وأن تبليغَه إلى العَجَم قد يحتاج إلى ترجمته لهم، فيُترجَمُ لهم بحسب الإمكان، والترجمةُ قد تحتاجُ إلى ضرب أمثال لتصوير المعاني، فيكون ذلك من تمام الترجمة. ص172
60. إذا تدبَّرَ المؤمنُ العليم سائر مقالات الفلاسفة وغيرهم من الأمم التي فيها ضلال وكفر = وجدَ القرآنَ والسنة كاشفًا لأحوالهم، مُبَيِّنًا لحقِّهم، مميِّزًا بين حقّ ذلك وباطله. ص197
كل مَن زعمَ بلسان حاله أو مقاله أن طائفةً غيرَ أهل الحديث أدركوا من حقائق الأمور الباطنة الغيبيّة في أمر الخلق والبعث والمبدأ والمعاد، وأمر الإيمان بالله واليوم الآخر، وتعرُّف واجب الوجود، والنفس الناطقة، والعلوم والأخلاق التي تزكو بها النفوس وتصلح وتكمل = فوق أهل الحديث، فهو فهو إن كان من المؤمنين بالرسل فهو جاهل فيه شعبة قوية من شعب النفاق، وإلا فهو منافق خالص من الذين إذا ﴿قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ كَمَآ ءَامَنَ ٱلسُّفَهَآءُۗ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَٰكِن لَّا يَعۡلَمُونَ﴾[البقرة:13]، وقد يكون من الذين: ﴿يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ﴾[غافر:35]، ومن الذين: ﴿يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ﴾[الشورى:16]. ص201-202
61.صفات الكمال: العلم، وإرادة الإحسان، والقدرة عليه. ص203
62. مَن اقتصدَ في قوله، وتَحرّى القولَ السديد = فإن الله يصلح عمله. ص207
63. الأسماء التي يتعلّق بها المدح والذمّ من الدين لا تكون إلا من الأسماء التي أنزلَ اللهُ بها سلطانه، ودلّ عليها الكتاب والسنّة أو الإجماع، كالمؤمن والكافر، والعالم والجاهل، والمقتصد، والملحد. ص209
64. أما الأسماء التي لم يدلَّ الشرعُ على ذمّ أهلها ولا مدحهم = فيُحتاجُ فيها إلى مقامين: أحدهما: بيان المراد بها. والثاني: بيان أن أولئك مذمومون في الشريعة. ص210
65. ليس مذهب السلف مما يُتستَّر به إلا في بلاد أهل البدع، مثل بلاد الرافضة والخوارج، فإن المؤمن المستضعَف هناك قد يكتم إيمانه واستنانه. ص212
66. لا عيبَ على مَن أظهر مذهب السلف، وانتسبَ إليه، واعتزى إليه، يل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًّا. ص213
67. لفظ "التجسيم" لا يوجد في كلام أحد من السلف، لا نفيًا ولا إثباتًا. ص216
68. العامّة لا تعرفُ من شعائر البدع إلا الرفض، والسنّي في اصطلاحهم من لا يكون رافضيًّا. ص219
69. شِعار أهل البدع: ترك انتحال اتّباع السلف. ص220
70. ابن عقيل الغالب عليه إذا خرج من السنة أن يميل إلى التجهّم والاعتزال في أول أمره، بخلاف آخر ما كان عليه، فقد خرج إلى السنّة المحضة. ص231-232
71.أبو حامد يميل إلى الفلسفة لكنه أظهرها في قالب والعبارات الإسلامية، ولهذا ردَّ عليه علماء المسلمين، حتى أخصّ أصحابه أبو بكر بن عربي. ص232
72. ما زال في الحنبليّة من يكون ميله إلى نوع من الإثبات الذي ينفيه طائفة أخرى منهم، ومنهم من يمسك عن النفي والإثبات جميعا، ففيهم جنس التنازع الموجود في سائر الطوائف، لكن نزاعهم في مسائل الدِّق، وأما الأصول الكبار فهم متفقون عليها، ولهذا كانوا أقل الطوائف تنازعًا وافتراقًا؛ لكثرة اعتصامهم بالسنة والآثار؛ لأن للإمام أحمد في باب أصول الدين من الأقوال المبيِّنة لما تنازع فيه الناس ما ليس لغيره، وأقوالُه مؤيّدة بالكتاب والسنة واتباع سبيل السلف الطيّب؛ ولهذا كان جميع من ينتحل السنّة من طوائف الأمة فقهائها ومتكلّمتها وصوفيّتها ينتحلونه. ص235
73. لا بدّ أن يكون بين المسلمين تنازع واختلاف، لكنه لا يزال في هذه الأمة طائفة قائمة بالحق، لا يضرّها من خالفها ولا من خذلها حتى تقوم الساعة. ص236
74. الناس في نقل مذاهب الأئمة قد يكونون بمنزلتهم في نقل الشريعة، ومن المعلوم أن أحدهم يقزل: حُكم الله كذا، أو حُكم الشريعة كذا، بحسب ما اعتقده عن صاحب الشريعة، بحسب ما بلغه وفهمه، وإن كان غيرُه أعلمَ بأقوال صاحب الشريعة وأعماله وأفهم لمراده. ص237
75. أصل السنّة مبناها على الاقتصاد والاعتدال دون البغي والاعتداء، وكان علمُ الإمام أحمد واتّباعه لها من الكمال والتمام على الوجه المشهور بين الخاصّ والعام ممن له بالسنّة وأهلها نوعُ إلمام. ص239
76. وقد ذكر اللهُ في كتابه من كلام الكفار والمنافقين في الأنبياء والمرسلين وأهل العلم والإيمان ما فيه عِبرة للمعتبر، وبيّنة للمستبصِر، وموعظةٌ للمتهوِّك المُتَحيِّر. ص240
77. الردّ بمجرّد الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد. ص260
78. اتّباع الإنسان لما يهواه هو أخذ القول والفعل الذي يحبه، وردّ القول والفعل الذي يبغضه بلا هدى من الله. ص263
79. كان السلف يسمّون أهل البدع والتفرّق المخالفين للكتاب والسنة "أهل الأهواء"؛ حيث قبلوا ما أحبّوه، وردّوا ما أبغضوه بأهوائهم بغير هدى من الله. ص264
80. الآمديّ لم يكن أحدٌ في وقته أكثر تبحّرًا في العلوم الكلامية والفلسفية منه. ص267
81....سيبويه الذي ليس في العالَم مثلُ كتابه، وفيه حِكمة لسان العرب. ص308
(تمّت بحمد الله) بواسطة : ضيف الله الشمراني
يوم الثلاثاء 24 / 2 /1436هـ ، المدينة النبوية .