هناك
حاجة ملحة لإيجاد حلول مالية إسلامية ؛ وذلك من عدة جوانب :
أ)
أن قواعد الشريعة الإسلامية الخاصة بالتبادل, وإن كانت معدودة, ولكنها منضبطة ومحددة.وعلى
هذا فإن قبول التعاملات ؛ التي تلبي حاجات الناس يكون مرهونا بمدى التزام تلك التعاملات
بالضوابط الشرعية.ويلاحظ أن مثل هذا الشرط ليس هناك صعوبة في تطبيقه؛ وإنما هناك حاجة
إلى استيعاب لمقاصد الشريعة, وفي نفس الوقت إدراك وتقدير لاحتياجات الناس الاقتصادية.
وهنا يكون دور الهندسة المالية ضرورياً ومهماً من أجل البحث عن الحلول؛ التي تلبي حاجات
الناس الاقتصادية ؛ مع استيفاء متطلبات القواعد الشرعية .
ب)
تطور التعاملات المالية, والذي نتج عنه زيادة عوامل المخاطرة, إضافة إلى تغير الأنظمة
الحاكمة للتمويل والتبادل الاقتصادي؛ مما يجعل الاحتياجات الاقتصادية معقدة ومتشعبة,
ويزيد من ثم الحاجة إلى وجود حلول وبدائل ملائمة.([1])
الأسس
العامة للهندسة المالية الإسلامية :
أولاً: تحريم الربا و الغرر :
والربا في اللغة: الزيادة والنماء ؛ والمقصود به هو الزيادة على رأس المال وتناميه
؛ سواء قلت أو كثرت. قال الله تعالى :( وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون),والربا
محرم في جميع الشرائع الربانية , وينقسم الربا إلى قسمين : ربا الفضل , وربا النسيئة.
ربا الفضل: وهو بيع النقود بالنقود
, أو الطعام بالطعام مع الزيادة , وهذا النوع محرم؛ لأنه يفضى إلى النوع الثاني؛ وهو
ربا النسيئة. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
:(الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة، والبر بالبر ،والشعير بالشعير ،والتمر بالتمر والملح
بالملح،مثلاً بمثل سواءً بسواء،يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا
كان يدا بيد ) ([3])
وربا النسيئة: هو الزيادة المشروطة؛
التي يأخذها الدائن من المدين؛ نظير التأجيل ؛ وهو محرم. وهذا النوع منصوص على حرمته
في الكتاب, والسنة ,وإجماع الفقهاء.
تعريف الغرر:هو ما كان على خطر
الحصول. وقد عرفه السرخسي بأنه ما كان مستور العاقبة, وعن ابن -عمر رضي الله عنه- قال
: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الغرر) رواه أبو داود والترمذي.وقد قسم
الضرير([4])
الغرر إلى:
§ الغرر في صيغة العقد: ومنه بيعتان في بيعة, وبيع
الحصاة , وبيع الركبان, وبيع المنابذة، وبيع العربان, وبيع الملامسة, والعقد المعلق,
والعقد المضاف.
§ الغرر في محل العقد: ومنه الجهل بذات المحل ,والجهل
بجنس المحل, والجهل بنوع المحل, والجهل بمقدار المحل, والجهل بأجل المحل, ومنه عدم
القدرة على التسليم, والتعاقد على المعدوم, وعدم رؤية محل العقد.
ثانياً:حرية التعاقد: ويقصد بذلك
إطلاق الحرية للناس في أن يبرموا من العقود ما يرون أنه يحقق مصالحهم, وبالشروط التي
تحقق لهم تلك المصالح؛ غير مقيدين؛ بأي قيود؛ إلا بقيد واحد؛ وهو أن لا تكون تلك العقود
مشتملة على أمر نهى عنه الشارع,وحرمه ؛ مثل : الربا والغرر.
ثالثاً:
قاعدة التيسير ورفع الحرج: والمراد بالحرج: الضيق, وقد عبر
العلماء عن هذه القاعدة بقولهم: (المشقة تجلب التيسير). يقول الله سبحانه وتعالى:
(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)البقرة(286).
وقال تعالى: ( ما جعل عليكم في الدين من حرج).الحج(78) وقال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)،رواه البخاري. ويظهر هذا الأمر في مجال المعاملات ؛ فقد جعل الله
تعالى باب التعاقد مفتوحا بين العباد, وجعل الأصل فيها الإباحة, وجعل القيد فيها ما
فيه ظلم وأكل أموال العباد بالباطل, وتتضح أهمية هذه القاعدة في أن تقييد الناس بالعقود
القديمة فيه تضييق على الناس والمتعاملين؛ لأنها لا تفي بكل احتياجاتهم المتغيرة والمتجددة.
ومن
هنا ظهرت أهمية الهندسة المالية الإسلامية في تطوير تلك العقود, والمزج بين أكثر من
عقد, واستحداث عقود جديدة؛ بشرط خلوها من الأوامر المحرمة في العقيدة الإسلامية, وفي
ظل موجهات الشرع الإسلامي, وبما يلبي الحاجات المتزايدة للتمويل.
من جهة أخرى فإن تطوير صيغ التمويل التقليدية يغري
المتعاملين إلى اللجوء إليها في ظل غياب البدائل الإسلامية ؛ وهنا يكون دور الهندسة
المالية في إيجاد البدائل.
رابعاً:
قاعدة الاستحسان (المصالح المرسلة):
الاستحسان
هو: باب لحرية التعاقد؛ يقول الإمام مالك: الاستحسان تسعة أعشار العلم.وهو ما يستحسنه
المجتهد بعقله ؛من غير أن يوجد نص يعارضه أو يثبته؛ بل يرجع فيه إلى الأصل العام ؛
وهو جريان المصالح ؛ التي يقرها الشرع. ويقول البعض أن الاستحسان: هو أن يعدل المجتهد
عن الحكم في المسألة بمثل ما حكم به في نظائرها إلى غيره؛ وذلك لدليل أقوى يقتضي العدول
عن الدليل الأول لحكم هذه النظائر. أما المصالح المرسلة؛ وهي صنو الاستحسان؛ وهي الأوسع
والأكثر شمولاً. والمصالح المرسلة تعني الأخذ بكل أمر فيه مصلحة يتلقاها العقل بالقبول
,ولا يشهد أصل خاص من الشريعة بإلغائها أو اعتبارها. ولكن لابد من الأخذ في الاعتبار
بما يلي :
v
إن الأخذ
بمبدأ المصالح, لو لم يشهد له دليل من الشرع ,يفتح الباب للأهواء؛ فيكون كل ما يشتهيه
الشخص, ويحقق مصالحه, يعتبر مصالح ينبني عليها حكم شرعي بالإباحة والإقرار؛ وهذا يؤدي
إلى المفاسد.
v
إن المصالح
المرسلة تختلف باختلاف البلدان والأشخاص ؛ بل تختلف باختلاف أحوال الشخص الواحد؛ فإذا
كان كل مصلحة تقتضي حكماً شرعياً خاصاً بها ؛ فقد تتضارب الأحكام الشرعية؛ وهذا أمر
لا يجوز.
v
أن المصلحة
المرسلة؛ التي تناط بها أحكام الشريعة الإسلامية ,هي المصلحة ؛التي فيها المحافظة على
مقصود الشارع.
خامساً:
النهي عن بيعتين في بيعة: ويعتبر هذا النهي من أساسيات
الهندسة المالية الإسلامية, والنهي -هنا - ينصب على ما كان بين الطرفين؛ لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -نهى عن بيعتين في بيعة, والبيعة
تكون بين طرفين؛ فإذا تضمنت بيعتين علم أنها بين طرفين. فإذا كانت إحدى البيعتين مع
طرف, والأخرى مع طرف آخر, لم تدخل في النهي. وعلى هذا فإن أي بيعتين بين طرفين تكون
محصلتهما بيعة من نوع ثالث, ينبغي النظر إليها بمقياس البيعة الثالثة, وفي هذه الحالة
يكون الحكم تابعا لحكم البيعة الثالثة, فإن كانت تلك البيعة ممنوعة شرعا كانت البيعتان
موافقة لها في الحكم, وإن كانت البيعة الثالثة مقبولة شرعا لم يكن هناك حاجة للبيعتين,
وأمكن تحقيق المقصود عن طريق البيعة الثالثة. وتعتبر هذه القاعدة - وهي النهي عن بيعتين
في بيعة- من أهم الأسس في الهندسة المالية الإسلامية وترجع أهميتها - بالإضافة إلى
أنها
تحقق الكفاءة الاقتصادية للمعاملات المالية – على تحقيق السلامة
الشرعيه.([5])
(895-968 هـ)تحقيق وضبط عبد الرحمن بن علي بن محمد
العسكر 2004م.