الأربعاء، 12 مارس 2014

المبحث الثالث : صور تطبيقية لإصدار الصكوك الإسلامية



 نتيجة لما طرح من أبحـاث ومداولات مع البنوك المركزية فلقد لجأت بعض الحكومات الإسلامية إلى إصدار (صكوك إسلامية) كبديل شرعي للسندات.
وجاءت مثل هذه الخطوة بعد مداولات وورش عمل أخذ فيها مجمع الفقه الإسلامي ـ التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ـ دور الريادة؛ الذي يشكر عليه في هذا المجال . ولقد استندت هذه الصكوك على بيع السلم, والاستصناع, والإجارة ,والمضاربة.
صكوك السلم لدولة البحرين:
 لكل دولة ثروات طبيعية ,ويمكن الاستفادة من بيع السلم , والذي جاء تفصيله ـ في هذا البحث ـ لإصدار صكوك السلم؛ وذلك ببيع بعض من هذه الثروات الطبيعية على فترات وأزمان متفاوتة بثمن عاجل, وتسليم آجل ,مع مراعاة شروط بيع السلم الوارد ذكرها. وإذا أخذ بالرأي القائل بجواز بيع السلم قبل قبضه أمكننا طرح هذه الصكوك في السوق الثانوية.
ولقد قامت مؤسسة نقد البحرين بإصدار صكوك السلم ؛ فباعت الألمنيوم بتسليم آجل مع قبض الثمن عاجلاً , وورد في مقدمة بيان الإصدار بتاريخ 5/6/2001م تحت عنوان "طبيعة الصكوك وأساسها الشرعي" ما يلي:
"صكوك السلم الإسلامية الحكومية ، هي أداة تمثل أصولا (ألمنيوم خام) موصوفة في الذمة ، مؤجلة التسليم ، تصدرها حكومة مملكة البحرين؛ بغرض إيجاد مجالات جديدة لاستثمار فائض الموارد المالية في المجتمع , ولتمويل الإنفاق والاحتياجات قصيرة الأجل لمشروعات التنمية المختلفة . وتقوم حكومة مملكة البحرين ـ  بموجب هذا الإصدارـ  ببيع سلم سيتم تسليمها, في
المستقبل ، إلى المستثمرين في هذا الإصدار؛ باعتباره وعاء استثماريا مشتركا بينهم؛ بنسبة ما اكتتب به كل منهم . ويتم الشراء بثمن عاجل هو قيمة إصدار الصكوك ، كما يتم الاحتفاظ بالصكوك إلى موعد التسليم ، وتمكين المستثمر من قبض قيمة السلع المستحقة له، الناتج عن بيعها إلى طرف مستقل غير معلوم مملوك لا كليا ولا جزئيا ؛بثمن يزيد عن ثمن الشراء بالسلم, وقيام مؤسسة نقد البحرين بتنظيم الاكتتاب, وما يترتب عليه من إجراءات وتصرفات".
وجاء في الإصدارـ أيضاً ـ أن هذه البضاعة؛ موضوع صفقة السلم؛ سيتم بيعها إلى طرف ثالث غير مملوك للحكومة لا جزئيا ولا كليا, وحصلت الجهة المصدرة للصكوك على وعد من طرف ثالث لشراء صفقة السلم بهامش ربح محدد ؛ وهذا الوعد أعطى العملية ضمانا من جهة مليئة.([1])
صكوك الإجارة لدولة البحرين:
لكل دولة أصول تتمثل في منشآتها الحكومية, وبعضٍ من مرافقها, ويمكن للدولة أن تطرح هذه الأصول للبيع للمؤسسات والأفراد, وتقوم الدولة باستئجار تلك الأصول بأسلوب الإجارة المنتهية بالتمليك.
ولقد أصدرت مؤسسة نقد البحرين مثل تلك الصكوك؛ ولقد جاء في ضوابط شروط الإصدار ما يلي:(صكوك التأجير الإسلامية هي أداة مالية تمثل أصولا في أصول حكومية (المخازن المركزية) تصدرها مؤسسة نقد البحرين؛ نيابة عن حكومة مملكة البحرين؛ لغرض إيجاد مجالات جديدة لاستثمار فائض الموارد المالية في المجتمع, ولتمويل الإنفاق الرأسمالي لمشروعات التنمية المختلفة , وتقوم حكومة مملكة البحرين ـ بموجب هذا الإصدارـ بطرح تلك الأصول على المستثمرين لشرائهم لها من الحكومة, ثم تأجيرهم إياها للحكومة ؛بقسط تأجيري ؛بموجب عقد إجارة منتهية بالتمليك؛ بحيث تعد حكومة مملكة البحرين بإعادة شراء تلك الأصول ,في نهاية مدة الإصدار ؛بثمن يمثل القيمة الأصلية؛ التي اشتريت بها من الحكومة. ثم جاءت الفقرة الثالثة من ضوابط وشروط الإصدار لتتناول موضوع العائد على الصكوك, ويمثل عائد تأجير الأصول الممثلة لتلك الصكوك.
 صكوك شركة سابك التي محلها بيع حق الاختصاص: 
قامت شركة سابك السعودية؛ وهي واحدة من أكبر شركات البتروكيماويات في العالم ؛بأربع إصدارات للصكوك. وشركة سابك شركة قابضة تمتلك حصصاً في مجموعة كبيرة من شركات منتجة للبتر وكيماويات, وتتراوح هذه الحصص بين 20% من مجموع الأسهم لبعض الشركات, ونحو 90% لأخرى.
وقد وقعت سابك مع جميع هذه الشركات اتفاقية تعطيها وحدها الحق في تسويق منتجات هذه الشركات على مستوى العالم؛ مقابل رسوم تحتسب كنسبة مئوية من المبيعات. وقد تنازلت تلك الشركات عن حقها في تسويق منتجاتها, وأصبح هذا امتيازاً تاماً لشركة سابك مدة الاتفاقية؛وهو عشرون سنة.
 وبناء عليه قامت شركة سابك ببيع هذا الامتياز إلى حملة الصكوك، ثم هي وكالة عنهم تقوم بالتسويق بأجرة متفق عليها؛ فالأجرة المنصوصة في اتفاقية التسويق من نصيب حملة الصكوك، والأجرة التي تحصل عليها سابك منصوص عليها في اتفاقية إصدار الصكوك. وفي نهاية الخمس سنوات الأولى تعرض سابك على حملة الصكوك رغبتها في شراء حق التسويق منهم بثمن يساوي 90% من المبلغ الأصلي الذي دفعته ثمناً لها ، فإذا وافق أغلبية حملة الصكوك على ذلك جرى البيع ,وأطفئت الصكوك، وإلا استمرت لخمس سنوات أخرى حتى يأتي العرض الآخر بالشراء, وفي هذه المدة يكون ثمن الشراء 80% من المبلغ الأصلي.
صكوك موسسة خزانة الماليزية(محلها المشاركة):
وهذه الصكوك هي مثال لصكوك المشاركة:([2]) خزانة هي مملوكة للحكومة الماليزية؛ وهي تمتلك محفظة كبيرة من أسهم الشركات المدرجة في بورصة كوالمبور.
قامت خزانة بتأسيس شركة ذات غرض خاص ,ووضعت في ممتلكات هذه الشركة محفظة من أسهم منضبطة بالمعايير الشرعية، ثم أصدرت هذه الشركة ذات الغرض الخاص صكوكاً قابلة للتداول ؛يمثل كل صك فيها حصة في ملكية تلك المحفظة. وهذه الصكوك مدرجة وقابلة للتداول في البورصة ويمكن لحامل الصك أن يطالب المصدر بالحصول على ما يقابل صكه من تلك الأسهم، وبمقدوره أن يحتفظ بها, غيرأنه إذا أراد بيعها فهو ملتزم بأن يبيعها فقط إلى خزانة؛ وقد وعدت بشرائها منه بثمن يساوي متوسط سعرها في التداول خلال العشرين يوماً السابقة لطلب البيع.
 وتضمن هيكل الإصدار استئثار خزانة بالريع؛ الذي توزعه الشركات, التي توجد أسهمها في المحفظة؛ التي هي محل إصدار الصكـوك مقابل ضمانها في حــــال إفلاس أي من الشركات المذكورة؛ وهو ما يسمى Equity Insurance وفي نهاية المدة المحددة للصكوك ـ وهي خمس سنوات ـ تتعهد خزنة بشراء الأسهم بثمن محدد متفق عليه, غير أن حملة الصكوك غير ملزمين بذلك.
صكوك البنك الإسلامي للتنمية (محلها ديون مرابحة وتأجير)
 ومن الأمثلة على الصكوك؛ التي محلها وعاء مختلط الصكوك؛ التي أصدرها البنك الإسلامي للتنمية (الإصدار الأول) والتي اعتمدت على وعاء مكون من أقساط ناتجة عن عمليات مرابحة أجراها البنك، وأصول (معدات ...إلخ) مؤجرة, وتكون المعدات المؤجرة ما لا يقل عن 51% من قيمة الوعاء. وقد باع البنك الإسلامي للتنمية الوعاء إلى مؤسسة ICD التي يملك البنك جزءاً منها، ثم إن ICD أصدرت الصكوك. ثم جرى تعيين البنك الإسلامي للتنمية ليكون وكيلاً عن حملة الصكوك لتحصيل الأقساط , وكذا لتوليد أصول جديدة. ونظراً لأن مصدر الصكوك هو ICD فقد قدم البنك الإسلامي للتنمية ضماناً يضمن بموجبه جميع المديونية في الوعاء, فأمكن ـ عندئذٍ ـ تصنيف الصكوك بمثل تصنيف البنك الإسلامي للتنمية.
صكوك المضاربة لوزارة الأوقاف الأردنية:
 كانت أول محاولة لصياغة هيكل للصكوك كانت على أساس المضاربة ,ومع ذلك ما أقل الصكوك؛ التي صدرت على هذا الأساس. وصكوك المضاربة تصدر بناء على عقد قراض يكون فيه حملة الصكوك أرباب مال والمصدر عاملاً يقتسمان الربح بالنسب المتفق عليها بينهما, ثم يحصل ـ في النهاية ـ التنضيض. وطرحت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الأردنية فكرة أوراق مالية قابلة للتداول بغرض التمويل, في شكل صكوك مضاربة, غرضها تثمير ممتلكات الأوقاف بطريقة مشروعة ومبتكرة.

   (1) جناحي,عبد اللطيف عبد الرحيم,البدائل الشرعية للسندات التقليدية.
   (1) بن عيد, محمد علي القري, مرجع سابق,ص16.