الأربعاء، 12 مارس 2014

المبحث الرابع تطبيقات معاصرة لعقود الهندسة المالية الإسلامية



العقد لغة : الجمع بين أطراف الشيء ، ويستعمل بمعنى: الضمان والعهد والوصل، ويسمى: الأمان والعهد؛ لأنهما طريقان من طرق الالتزام ([1]).
والعقد اصطلاحاً : يستعمل العقد في الاصطلاح الشرعي - عند الفقهاء- بأحد معنيين :
والمعنى العام وهو: كل تصرف شرعي ينعقد بكلام طرف واحد, أو بكلام طرفين، يسمى عقداً بالمفهوم العام عند الفقهاء ؛ إذ كل ما عقد الشخص العزم عليه فهو عقد .
والمعنى الخاص : وهو ارتباط الصيغة القولية, أو الصيغة الفعلية الصادرة من المتعاقدين على وجه مشروع ؛ بحيث يظهر أثره في محل العقد ([2]).
ومن عقود تطبيقات الهندسة المالية الإسلامية :
عقد المرابحة للآمر بالشراء:
تعريفه : هو من عقود البيوع؛ وهو من بيوع الأمانة ؛ وهو عملية بيع بثمن مؤجل .
والهدف من تطوير العقد هو أن : تستخدم المصارف الإسلامية بيع المرابحة للآمر بالشراء؛ كأسلوب شرعي من أساليب التمويل؛ حيث يستطيع المصرف الإسلامي-  عن طريق هذا العقد-  تمويل ما يحتاجه العملاء من سلع وأعيان .([3]) ويهدف  هذا التمويل الإسلامي إلى تحقيق ضمان مبلغ التمويل والعائد عليه وهي أهم خصائص التمويل التقليدي وهي  من أنواع العقود؛ التي تحقق التمويل الإسلامي ؛ بدون التعرض للقرض الربوي المحرم.
آلية تحقيق العقد لأهدافه :
يقوم المصرف بشراء سلعة؛ بناء على طلب العميل؛ الذي يحدد السلعة ومواصفاتها , ومصدر الشراء , وتكلفة الشراء, مع تعهد كتابي من العميل بشرائها من المصرف ؛ بعد إضافة نسبة معينة ؛ كهامش ربح على ثمن التكلفة الكلية .
ومن أهم الشروط؛ التي يختص بها هذا النوع من البيوع مايلي:
1.                   ضرورة انتقال تمام ملكية السلعة موضوع المرابحة من البائع الأول إلى المصرف.
2.                    إعادة بيعها من المصرف إلى المشتري الذي تعهد بشرائها ؛ بعد إعلامه بكل من الثمن الأصلي للسلعة, وكذا هامش الربح الذي سيحققه المصرف من جراء هذا البيع.([4])
ونجد هذه الصورة مركبة من وعدين :
أ- وعد بالشراء من العميل ؛ الذي يطلق عليه:الآمر بالشراء.
ب-  وعد من المصرف بالبيع بطريق المرابحة ( أي: بزيادة ربح معين, أو نسبة على الثمن الأول ) وهذا هو المقصود بكلمة" المرابحة" هنا .
و قد اختار المصرف و العميل كلاهما الالتزام بالوعد ، وتحمل نتائج النكول عنه .
ج-  أن الثمن الذي اتفق عليه بين المصرف والعميل ثمن مؤجل.
 والغالب أن يراعى في تقدير هذا الثمن مدة الأجل؛ كما يفعل ذلك كل من يبيع بالأجل .([5])
ولا يعتبر المصرف ممولاً فقط لعملية المرابحة , وإنما يمارس دوراً تجارياً؛ لأنه يتحمل مخاطر الشراء للسلعة , ويصبح مالكاً لها وضامناً؛ حتى وقت التسليم للعميل , ولابد من تحقق الشروط التالية في بيع المرابحة للآمر بالشراء:
1.                   أن يتحمل المصرف (الممول) جميع مخاطر الصفقة؛ التي اشتراها , وتملكها حتى تنتقل ملكيتها؛ إلى العميل؛ بعد أن يتسلمها .
2.                   أن يتم توقيع ثلاثة عقود:
أ‌)                      عقد الوعد بالشراء.
ب‌)                  عقد بيع حال بين المصرف ومورد السلعة .
ت‌)                  عقد بيع مرابحة بين المصرف والعميل ؛ مع بيان كيفية الدفع للثمن المتبقي من الصفقة.([6])
وقد حقق عقد المرابحة للآمر بالشراء نجاحاً كبيراً ؛ مقارنة بصيغ التمويل الإسلامية الأخرى,في توظيف الموارد التمويلية؛ للبنوك الإسلامية وذلك للأسباب التالية:
·                      مرونة هذا العقد في تمويل عمليات ومشروعات صغيرة أو متوسطة لم يكن من السهل تمويلها عن طريق البنوك التقليدية؛ حيث الضمانات والشروط أكثر صعوبة.
·                      وجدت إدارات البنوك الإسلامية أن هذا العقد يتميز بانخفاض حجم المخاطر فيه؛ مقارنة بغيره من العقود التمويلية الإسلامية؛ حيث يتشابه في تطبيقه مع عقود التمويل التقليدية.
·                      اعتماد هذا العقد على جذور كانت موجودة قبل وجود المصارف الإسلامية؛ من حيث تقدير قيمة كلية للشراء,ونسبة ربح نظير التأجيل .
·                      نجح هذا العقد في فتح أبواب للتمويل كانت مغلقة أمام فئات معينة, وفي تقريب الفكرة الإسلامية من الأذهان.
قد يكون عقد المرابحة للآمر بالشراء من العقود الأكثر انتشاراً في البنوك الإسلامية,ولحاجة هذه الصيغة إلى الدقة في التنفيذ ؛ فإن إجراءات  تنفيذ العقود وصيغها المختلفة يحتاج إلى مراعاة الضوابط الشرعية؛ التي تجعلها في مأمن من التنفيذ المخرج لها من الحل إلى الحرمة , ومن الشراء والبيع الحقيقي إلى الصوري.([7])
عقد السلم
السلم لغة: من السلف . ومنه: أسلم الثمن: أعطاه سلفاً.
واصطلاحاً: وهو عقد على  موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض بمجلس العقد،([8]) ويسميه الفقهاء : بيع المحاويج.([9])
وهو من البيوع الجائزة؛ التي أقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال:"من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم, ووزن معلوم, إلى أجل معلوم" وقد يطلق السلم :على القرض أيضاً. ([10])
أما دليله من القرآن فقوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه…) البقرة آية 282.
ومن شروط السلم:
1ـ أن يكون كل من بدليه متقوما, فلا يجوز السلم في الخمر والخنزير .. الخ.
2ـ أن يكون بدلاه مختلفين في علة الربا ؛ وذلك حتى لا يفضي إلى أحد نوعي الربا ( ربا الفضل, أو ربا النسيئة) .
3ـ تسليم الثمن في مجلس العقد, وأجاز المالكية تأخير الثمن لمدة لا تزيد عن ثلاثة أيام .
4ـ أن يكون المسلم فيه موصوفا وصفا يمنع النزاع؛ فإذا كان المبيع موصوفا في الذمة وصفا يضبطه, ويغلب وجوده عند الأجل, مع تحقق الرضى عند طرفي العقد, جاز مع خلو العقد من الغرر والجهالة المفضية إلى النزاع؛ فيصح السلم في المثليات دون القيمات.
5ـ أن يكون أجل التسليم معلوما ؛ لأن القيمة تختلف باختلاف الأزمنة .
6ـ أن يكون مكان التسليم معلوما.
7ـ أن يكون مقدورا على تسليمه,بمعنى أنه يغلب على الظن وجود المبيع عند حلول الأجل؛ سواء لدى البائع أوفي السوق؛ فليس مهماً أن يكون المبيع معدوما عند العقد, ولكن المهم القدرة على التسليم عند حلول الأجل.([11])
ويجوز السلم في السلع؛ كما يجوز في المنافع ,عند الجمهور.ومثال الأول: أن يسلم نقودا في قمح موصوف في الذمة, ومثال الثاني: أن يسلم نقودا في بناء يستعمله أو يستغله, أو في شخص يستأجره.([12] )
وعقد السلم من العقود التقليدية الهامة, والذي يمثل صيغة من صيغ التمويل الإسلامي؛ حيث يمثل عقد السلم أداة تمويلية ذات كفاءة عالية ؛ من حيث استخدامها للاستجابة لحاجات التمويل المتنوعة والمختلفة للمتمولين ؛ سواء كانوا زراعا , أم صناعا, أم تجارا ,
استخدام عقد السلم في المصارف الإسلامية :
تقوم المصارف بدور الوسيط المالي في الاقتصاد؛ فهي تتلقى الودائع - بمختلف أشكالها - من المودعين, ثم تقوم باستثمارها؛ من خلال تمويل عملائها الراغبين في تمويل أنشطتهم المختلفة؛ فتقوم بتمويلهم باستخدام عقود شرعية مقبولة ؛ مثل :المرابحة, والمضاربة, والسلم والمشاركة, والإجارة.([13])
تستخدم المصارف عادة عقد السلم في تمويل المزارعين أو المنتجين للسلع المثلية،إذ يشتري البنك الإسلامي سلعاً معروفة قد تكون سلعا زراعية بكميات ومواصفات معينة, وثمن معين, سلماً فيدفع قيمتها حاضراً لمن اشتريت منه ؛ بشرط تسليمها له في تاريخ معين مستقبلاً؛ وبذلك يكون المصرف قد منح ائتماناً تجارياً لبائع السلع بالسلم. ثم يقوم المصرف ببيعها ليحقق الربح في الفرق بين سعر الشراء وسعر البيع .
وإن استخدام عقد السلم قد تحقق أرباحا جيدة للبنوك الإسلامية؛ إذا ما أديرت عمليات الشراء الآجل, وإعادة البيع بكفاءة,وهناك عدة أمور تتوقف عليها درجة المخاطرة والربح في عقد السلم, والتي يمكن أن تحدد درجة فاعلية هذا العقد كونه أحد إنتاجات الهندسة المالية الإسلامية؛ وهي:
1_ الثقة في المعاملة : من حيث كونها عقد تمويلي إسلامي, يحقق الهدف؛ من عملية التمويل من حيث البنك كمصدر تمويل في كون عقد السلم عقد تمويل عالي الربحية حيث يقوم البنك ببيع السلع المستلمة, بقيمة أعلى من قيمة الشراء, ويمكن السيطرة على درجة المخاطرة فيه. أما طالب التمويل فهو يمثل للمستفيد عقد تمويل, يحقق التمويل المناسب, بدون دفع أي فوائد؛ على القروض وأيضاً ضمان تسويق سلعة السلم.           
2_ شخصية البائع بالسلم حيث يتم دراسة وضع المتمول من قبل إدارة المصرف قبل البدء في عملية السلم للتأكد من ملاءته , والتزامه بالتسليم في الوقت المحدد.
3_ نجاح البنك في إعادة بيع السلعة المشتراه سلما بأسعار أعلى مما يحقق له ربحا مجديا.([14])
ولكي يحقق عقد السلم في التمويل المصرفي هدفه في كونه يحقق الفاعلية, لا بد أن يسعى المصرف إلى إعادة البيع بسعر يحقق الربح(عقد سلم مواز) نظراً لتقلبات الأسعار ؛ والتي كانت من الأسباب الهامة في عدم اعتماد المصارف الإسلامية على عقد السلم المصرفي في عمليات التمويل؛ وذلك لتعرضها إلى مخاطر تقلبات الأسعار.و إضافة إلى ذلك يجب على البنك إعادة بيع السلع المشتراه في أقصر وقت ممكن؛ وذلك لتخفيض التكاليف الخاصة بالتخزين.ولتغطية هذه الأنواع من المخاطر؛ التي قد تحد من استخدامات عقود السلم في التمويل المصرفي يمكن استخدام عقود السلم الموازي. 
عقد السلم الموازي

واجه عقد السلم التمويلي في المصارف مشاكل تتعلق بمخاطر تقلبات الأسعار لسلعة السلم؛ حيث إن أسعار السلع عرضة للتغير؛ مما يجعل طرفي العقد الممول(المصرف )والمتمول يواجهان مخاطر الخسارة ؛ وإن كان المصرف أقل تعرضا لهذا النوع من المخاطر؛ حيث إنه قام بشراء سلعة السلم بثمن أقل نظير الأجل.كما أن العميل (المتمول ) لا يعرف تكلفة تمويله ؛ مما يجعل من الصعب تحديده لأرباحه المستقبلية, ومعرفة قدرته على التواجد في السوق والمنافسة.([15]) وقد طورت المصارف الإسلامية عقد السلم الموازي لحمايتها من خطر تقلب أسعار المنتجات التي مولت ،وذلك بنقل الخطر إلى مشتري السلعة في السلم الموازي وبالتالي يكون عائد البنك من فرق تكلفة التمويل (ربح التمويل) بين السلم الأول والسلم الموازي, ويمكن للمصرف الإسلامي أن يشتري سلعا معروفة بكميات ومواصفات معينة وثمن معين سلماً فيدفع بموجب هذا العقد قيمتها حاضراً للبائع, وبشرط تسليمها في تاريخ معين مستقبلاً. وبهذا يكون البنك قد منح ائتمانا تجاريا لبائع السلم عن طريق عقد السلم. ثم أنه يمكن أن يقوم بإعادة بيع السلعة المشتراه سلما بسعر يفوق سعر شرائها سلما عن طريق عقد سلم موازي لعقد السلم الأول ؛ حيث يقوم ببيع السلعة المشتراه من البائع الأول إلى مشترٍ جديد سلما أيضا.
ويستخدم عقد السلم في المجال المصرفي المعاصر لتشغيل أموال المودعين.
آلية السلم والسلم الموازي:
1- يمكن للمصرف أن يقوم بإنشاء صندوق استثماري؛ لهذا الغرض تجمع فيه هذه الأموال؛ ثم تستخدم لشراء سلعة مثلية, أو منضبطة بالصفة؛ عن طريق عقد السلم بآجال محددة.
2-  بعد مرور فترة من الزمن، ولكن قبل حلول أجل السلم الأول، يدخل الصندوق في سلم مواز يبيع بموجبه(السلع المشتراة) مماثلة، و لنفس أجل السلع التي اشتراها بالسلم الأول،
3- عند حلول الأجل يقوم الصندوق باستلام السلع ثم تسليمها إلى المشترين في السلم الموازي.
و بهذه الطريقة ,وبإنشاء عقدين منفصلين, يبتعد الصندوق عن بيع بضاعة السلم قبل قبضها؛ فهو ملتزم بتسليم سلعة السلم في العقد الموازي، حتى وإن لم يف البائع بتسليم السلعة؛ التي اشتراها البنك منه بعقد السلم الأول. ويحقق الصندوق ربحه من الفرق بين قيمة العقدين؛ فعندما يبيع الصندوق سلعة بعقد السلم الموازي فهو يحرص على أن يكون ثمن البيع أعلى من الثمن؛ الذي اشترى به السلعة بعقد السلم الأول.
وحيث إن السلم الموازي يقع بعد مرور فترة من تاريخ انعقاد السلم الأول، فإن الثمن الذي يبيع به الصندوق السلعة في السلم الموازي، وبافتراض أن السلم الموازي انعقد بعد مرور شهرين من السلم الأول , والذي كان الأجل فيه ثلاثة أشهر،( ولكن هذا يعرض المصرف لمخاطر تقلب سعر السلعة والذي قد لا يرغب البنك في تحملها ؛على هذا ؛فإنه لابد ان يدخل في عقد سلم مواز لعقد السلم الأول في نفس وقت السلم الأول حتى لا يعرض نفسه لهذا النوع من المخاطر)  فإنه يتحدد في ضوء المتغيرات التالية:
(أ)      تكلفة التمويل ؛ التي تساوي الربح الفائت على الصندوق من عدم استخدام رأس مال السلم الأول؛ الذي دفعه إلى البائع عند انعقاد السلم.
(ب)    الانخفاض أو الارتفاع في أسعار السلعة المماثلة لسلعة السلم , والتي يعقد السلم المتوازي عليها؛ فالتغيرات في أسعار هذه السلعة المماثلة لسلعة السلم، سلباً أو إيجابا، بعد مرور شهرين، هي التي يتم على أساسها تحقيق الصندوق لربح أو خسارة.
وتتم تصفية الصندوق بصفة دورية تتوافق مع تاريخ البيع بالسلم المتوازي. ويمثل الفرق بين أسعار الشراء وأسعار البيع الربح الذي تحقق للصندوق.([16])
ويمكن اعتبار عقود السلم الموازي تحقق الكفاءة الشرعية إذا ما أجيزت عقود السلم الموازي من قبل الفقهاء ؛ الذين يعترضون على بيع بضاعة السلم قبل القبض, كما أنه يعارض ابتداء الدين بالدين لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ),إضافة إلى أنها تحقق الفاعلية لتجنبها مخاطر تقلبات الأسعار؛حيث بإمكان العميل (المتمول) والمصرف من تجنب مخاطر تقلب الأسعار,إضافة إلى أن استخدام عقود السلم والسلم الموازي تحقق مبدأ تشغيل الموارد الاقتصادية ,وتنمية التجارة.
عقد الاستصناع
وهو من منتجات الهندسة المالية الإسلامية .
ومعنى الاستصناع لغة هو: طلب الصنع. ([17])
ويعتبر هذا العقد من صناعة الفقه الحنفي . والأصل فيه أنه لا يجوز وفقا للقياس الظاهر؛ لأن فيه بيعا لما هو غير موجود ,ولكنه أجيز عند الأحناف على أساس الاستحسان ؛ نظرا لحاجة الناس لهذا التبايع, وتعاملهم به.([18])  فهو _ عقد الاستصناع _ لا يقاس على عقد السلم؛ لأن عقد السلم يعجل فيه دفع الثمن, ويعتبر هذا شرطا لصحة العقد _ عقد السلم_ أما في عقد الإستصناع فيصح تعجيل الثمن أو تأخيره أو ربطه بمراحل إنجاز المشروع .
وعقد الاستصناع فيه سلف؛ فالصانع الذي يقوم بالعمل لا يرضى إلا بالثمن؛ الذي يحقق له الربح المناسب ؛ وهذا وجه الاختلاف عن عقد السلم ؛ الذي يقبل فيه الاسترخاص؛ حيث المسلم له يقبل بتقديم الثمن من قبيل الاسترخاص _تخفيض السعر .([19])
أما اصطلاحاً: فقد عرفه الإمام السمرقندي في كتابه "تحفة الفقهاء" بأنه: (عقد على مبيع في الذمة وشرط عمله على الصانع).([20])
 أما المصري ([21] ), فقد عرفه بأنه:التعاقد على صنع شيء بأوصاف معلومة مادته من الصانع , فلو كانت مادته مقدمة من المستصنع لا مشتراة من الصانع لكان العقد استئجاراً لا استصناعاً؛  فالصانع هو المقدم للمادة والعمل معا.
فالهدف من عقد الاستصناع هو:
 شراء مادة مصنعة من قبل الصانع, وبثمن مقدم ,أو مقسط, فهذا هو الجائز؛ حتى يكون تمويلاً للصانع , ومساعدته على توفير السلعة المصنعة . وبعض علماء الحنفية لم يشترطوا أن تكون المادة والصنعة من الصانع, ولا أن تكون معينتين, فإذا اشترى الصانع المصنوع , فكان من صنع غيره, أو جاء به من صنعه قبل العقد, جاز طالما كان مطابقا للمواصفات.
وتتميز عقود الاستصناع بما يلي:
1)                  أن هذه العقود توفر تمويل لتلبية الاحتياجات المالية( تمويل الأصول المالية المتوسطة والطويلة الأجل للمشروعات الصناعية والإنشائية) . حيث يجوز تعجيل الثمن ولكن غالبا ما يتم تأجيله أو تقسيطه على دفعات .
2)    بالإمكان استعمال هذه العقود لتمويل رأس المال العامل للمشروعات الإنتاجية الكبيرة تسمح هذه الصيغة بتمويل مشروعات إنشاء وتطوير البنية التحتية كالطرق وشبكات المياه وغيرها .
3)    بالإمكان تطبيق هذه الصيغة على عمليات الاستيراد والتصدير . ([22])
الاستصناع في المصارف :
      يعتبر الاستصناع في المصارف الإسلامية خطوة رائدة لتنشيط الحركة الاقتصادية في الدولة؛ فإن الهدف الرئيسي من التمويل بصيغة الاستصناع, والذي تعمل به المصارف الإسلامية ,إيجاد فرص استثمارية للأموال البنك وفي نفس الوقت دعم مشاريع التنمية الصناعية, وتوسيع الطاقة الإنتاجية للاقتصاد؛ حيث يتم تمويل المشاريع الضخمة ؛ مثل مشاريع البترول, والسفن, وشبكات توزيع ونقل المياه والكهرباء, وغيرها من المشاريع المنتجة. كما أن هذا النوع من التمويل يسهم في تنمية المشاريع الصغيرة ,ويحقق التنمية الاقتصادية؛ وذلك  بكون المصرف صانعاً ، و بكونه مستصنعاً :
·        أما كونه صانعاً فلأنه يقوم بتصنيع سلعة محددة ؛عن طريق منشأة متخصصة في تصنيعها(نظام البنوك لا يسمح بذلك).
·        وأما كونه مستصنعاً ؛فبتوفير ما يحتاجه المصرف من خلال عقد الاستصناع مع الصناعيين, والذي يوفر لهم التمويل المبكر ، ويضمن تسويق مصنوعاتهم نظام البنوك لا يسمح بذلك).  ، ويزيد من دخل الأفراد ؛ مما يزيد من رخاء المجتمع بتداول السيولة المالية بين أبناء الدولة .
·        وهناك حالة ثالثة ؛ وهي أن يكون المصرف صانعاً ومستصنعاً في نفس الوقت ؛ وهو ما يسمى بالاستصناع الموازي.
 وعقد الاستصناع من العقود  المجازة شرعا ,كما أن هذا النوع من العقود يحقق تنمية صناعية واقتصادية , وتشغيل وتوزيع  للموارد المتاحة , ولكن صيغة عقود الاستصناع قد تكتنفها مخاطر تقلبات الأسعار, ومخاطر التكاليف ؛ ولذلك يمكن إنشاء عقود استصناع موازٍ لعقود الاستصناع الأول.  
v      الاستصناع الموازي :
صورة الاستصناع الموازي : أن يبرم المصرف عقد استصناع بصفته مستصنعا مع عميل يريد الحصول على التمويل لإنجاز صنعة معينة، فيجرى العقد على ذلك ، و يتعاقد المصرف  مع عميل آخر باعتباره صانعا لنفس السلعة المصنعة من العميل الأول ، فتطلب منه صناعة المطلوب بالأوصاف نفسها .
الغرض من الاستصناع الموازي :
* هو توفير التمويل للمشروعات التي تحتاج الى تمويل عملياتها الانشائية أو شراء معدات متخصصة لا تتوفر في السوق.
آلية المعاملة:
  بناءً على التغير الكبير ؛ الذي يحدث في المجتمعات ، ونظرا للحاجة الكبيرة لدعم الاقتصاد بمشاريع ضخمة, وبرؤوس أموال كبيرة ، فقد أصبح عقد الاستصناع من العقود ذات الأهمية الكبيرة للمصارف ؛ تلبية لاحتياجات ورغبات الجماعات والأفراد ،وذلك للأمور التالية:
1ـ القيام بعملية التمويل بعقود الاستصناع ,وسداد الثمن مؤجلاً ,أو على أقساط ، وفقاً لقدرات المستصنِع وموافقة الصانع على ذلك,
 2 ـ وبما أن المصارف هي مؤسسات وساطة مالية, وليست شركات تصنيع, أو تسويق للسلع المصنعة , كانت الحاجة إلى إنشاء عقود الاستصناع والاستصناع الموازي؛ وذلك لاستلام السلع المصنعة من الصانع الأول, ومن ثم تسليمها إلى المستصنع في عقد الاستصناع الموازي.
3 ـ   ويكون الفرق بين سعر الشراء من الصانع وبين سعر البيع للمستصنع في العقد الثاني هو الربح المحقق للمصرف الإسلامي .
الاستصناع الموازي هو الغالب في عمليات البنوك إذ يستخدم عقد الاستصناع والاستصناع الموازي في تمويل المشروعات كبديل للاقراض الربوي ويحقق نفس درجة الأمان للقروض الربوية للمشاريع إذ يأخذ المصرف الإسلامي كل الضمانات الذي يأخذها المصرف الربوي لنفس المشروع.
التورق المصرفي
والورق: بكسر الراء هو: المال من الدراهم, واستورق الرجل؛ أي : طلب الورق ؛ فهو مستورق .
أما اصطلاحاً: فيفهم من الذين تحدثوا عنه أنه : أن يشتري الرجل السلعة نسيئه , ويبيعها نقداً لغير الذي هو بائعها .
 التعريف الفقهي :وقد عرفه مجلس المجمع الفقهي الإسلامي- في دورته الخامسة عشرة- بأنه : شراء سلعة في حوزة البائع , وملكه بثمن مؤجل ,ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع للحصول على النقد(الورق) ([23]) .
وقد شاع هذا المصطلح في مؤلفات المذهب الحنبلي . يقول البهوتي : ومن احتاج لنقد فاشترى ما يساوي ألفاً بأكثر؛ ليتوسع بثمنه فلا بأس نصا , ويسمى التورق.
يخلط الكثيرون بين مصطلحي التورق والتوريق (التسنيد او التصكيك)، مع أنهما عمليتان مختلفتان. وفي تعريف لهما، يقول أبوغدة: التورق هو حال لغير من اشتريت منه؛ وهو إحدى الوسائل المشروعة للحصول على السيولة.
أما التوريق أو التصكيك أو التسنيد المقبول شرعا فهو: تحويل الموجودات العينية أو المنافع إلى صكوك قابلة للتداول،وتتنوع الصكوك المشروعة إلى أنواع مختلفة ؛ منها: صكوك الإجارة, والسلم ,والمضاربة، وتحكم الصكوك جميعها مجموعة من الضوابط الشرعية، كما أن لعملية التصكيك أطرافا مختلفة لحماية حملة الصكوك , وتيسير تداولها، والصكوك تحقق للشركات السيولة على وجه مشروع، كما أنها تتيح للبنك توظيف السيولة.
أنواع التورق:
لا بد - في البداية - من التفريق بين نوعين من التورق:
1.النوع الأول من التورق هو الذي تحدث عنه الفقهاء قديماً(التورق الفقهي)، وهم يذكرونه؛ كما ورد في الموسوعة الفقهية في بحث بيع العينة.
2.أما النوع الثاني من التورق فهو الذي تريد أن تقدمه المؤسسات المالية الإسلامية؛ كخدمة مصرفية جديدة لعملائها ؛ ضمن آليات وخطوات إجرائية وتعاقدية مرتبة ومنظمة؛ تيسر للعميل حصوله على النقد بعملية تورق يكون المصرف طرفاً وسيطاً إضافياً فيها؛ ولذلك يمكن تسمية هذا النوع الثاني بـ (التورق المنظم أو المؤسسي) أوبـ (التورق المصرفي).([24])
والتورق المصرفي مثال لإحدى صور الهندسة المالية ، وتطبيق التورق يحقق مصلحة مزدوجة؛ فهو يوفر السيولة والتمويل  للعملاء، كما يستخدم لاستقطاب السيولة للمصارف, فضلا عن استخدامه في استثمار أموال العملاء بالمرابحات بعوائد ثابتة معلومة مقدما.
والهدف من التورق هو أن يعمد الإنسان لشراء سلعة بثمن آجل لا حاجة له بها ؛ وإنما غرضه أن يحصل على سيولة مالية ببيعها .([25])
فالعناصر الأساسية للتورق هي:
أ‌.        شراء سلعة نسيئة .
ب. بيعها نقداً.
ج. بيعها لغير بائعها.
أما عملية التورق المصرفي فهو تمويل نقدي([26])
وتهدف الى توفير سيولة للمقترض من قبل البنك وتكون غير مرتبطة بنشاط محدد وبتكلفة اقل من التمويل بأسلوب المرابحة وذلك لمنافسة القروض الربوية في تكلفتها
والهدف من التورق المصرفي: هو الحصول على السيولة  المالية؛ التي يواجه بها المصرف ما تفرضه معاملاته.([27])
وآلية هذا التورق المصرفي تتم على النحو التالي:
1) يطلب العميل المبلغ ؛ الذي يحتاج إليه كسيولة وذلك بعد دراسة المصرف لمقدرة العميل المالية .
2) أن يشتري المصرف السلع بالمبلغ ؛ الذي يحتاجه العميل .
3) يقوم المصرف ببيع هذه السلع المشتراه إلى العميل (بالمرابحة مؤجلة الثمن ).
4) وبعد أن يتملك العميل السلع يبيعها بثمن حال ,ويتم البيع عن طريق المصرف ,(أي: بتوكيل المصرف بالبيع).مع ملاحظة أن البيع النهائي لجهة غير الجهة؛ التي أشترى منها المصرف ابتداء.
5) يتم أخذ وعد بالشراء من المشتري النهائي بشراء السلعة نفسها بالثمن الذي اشتريت به؛ بثمن متفق عليه .
6) يضع البنك ثمن الشراء في حساب العميل , ويقيد عليه ثمن السلعة, التي باعها له بالأجل, ويربح الفرق بين السعرين؛ نظير الأجل.([28])
وهذه الأداة توفر السيولة للعميل بطريقة تبدو وكأنها بعيدة عن القرض بفائدة من خلال عدد من العقود ؛ تم تركيبها في عقد التورق ؛ وهذه العقود هي عقود ظاهرها مشروعة؛ لأنها عقد شراء سلعة وقبض الثمن ,ثم عقد بيع مرابحة, وعقد توكيل ؛ فتكون العقود مشروعة؛ والغاية من المعاملة تحققت ؛ وهو الحصول على السيولة مقابل عائد نقدي يدفعه عند حلول أجل الدفع . ولكن النقطة التي انطلقت منها تلك المعاملة هي  الحاجة إلى السيولة يمكن منها المصرف طالب التمويل بزيادة مرتبطة بالأجل.
ومن ثم تمثل عملية التورق المصرفي تمويلاً بطريقة هندسية بعيدة عن المصداقية الشرعية والفاعلية , حيث إن المصرف الممول لم يدخل في عملية البيع والشراء الفعلية؛ التي تحقق التشغيل للموارد الاقتصادية , وإنما هي عقود نمطية لتحقيق الهدف التمويلي من المعاملة, والحصول على السيولة مع العائد والفائدة من المعاملة([29]) .
التأجير التمويلي (Leasing)
تعريف الإجارة : لغة : الكراء, والأجرة على العمل.
 واصطلاحاً: هي عقد على منفعة معلومة مباحة من عين معينة , أو موصوفة في الذمة , أو على عمل معلوم بعوض معلوم مدة معينة .
تعريف التمليك لغة : مشتق من الملك.
و اصطلاحاً : لا يخرج عن المعنى اللغوي سابقاً.
     أما الأدلة على مشروعية الإجارة فمنها :
1-       قوله تعالى :{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ . قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} ) القصص (26 - 27.
2-                    قوله – صلى الله عليه وسلم – : « أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله»([30]).
 وهذا الحديث يدل صراحة على مشروعية الإجارة.
والتأجير التمويلي:هو عبارة عن ترتيبات تجارية, و عقد اتفاق؛ نتقل بمقتضاه إلى المستخدم أو المستأجر حق استخدام أصل معين مملوك للمؤجر؛خلال فترة زمنية معينة مقابل القيمة الإيجارية المتفق عليها.وبعبارة أخرى هو :اتفاق بين الطرفين يخول أحدهما حق الانتفاع بأصل مملوك للطرف الآخر مقابل دفعات دورية لمدة زمنية محددة .([31])
العناصر الأساسية في العقد المسمى بالتمويل التأجيري financial lease هي:
·                       أجرة دورية , وغالباً ما يضاف إليها دفعة أولية عند العقد هي-  في العادة- أكبر من الأجرة الدورية.
·                       عند نهاية مدة الإجارة يكون للمستأجر الخيار: إما إعادة الأصل المؤجر, أو شراؤه بثمن هو القيمة المتبقية. ولا شك أن خيار عقد إجارة جديدة يبقى مفتوحا؛ ولو لم يرد له ذكر في العقد
·                       قيمة متبقية يدفعها المستأجر؛ إذا قرر اختيار شراء الأصل المؤجر ؛عند انتهاء مدة الإجارة
·                       مجموع الأجرة الدورية ,والدفعة الأولية, والقيمة المتبقية, هو أكبر من ثمن الأصل المؤجر ؛ إذا كان الشراء نقدا عند العقد.
·                       غالبا ما يكون التأمين على الأصل المؤجر من مسؤولية المستأجر ولصالح المؤجر, وكذلك الأمر بالنسبة للصيانة .([32])
الهدف من العقد:
تمويل شراء أصل معمر لأجل مع احتفاظ الممول بملكية الأصل كضمان للدفعات حتى يتم استيفاء قيمة الأصل والعائد على المبلغ الذي تم شراء الأصل به ويعتبر التأجير مصدر تمويل ,ويلعب التمويل عن طريق التمويل التأجيري دوراً أساسياً في تزويد المشروعات بما تحتاجه من أصول رأسمالية لازمة لأنشطتها. و يعد التأجير التمويلي من أبرز ما ابتدعته الهندسة المالية الإسلامية ؛ كصيغة للتمويل الإسلامي؛
وقد يلجأ المالك إلى أسلوب البيع , وإعادة التأجير, والذي يقوم – بموجبه-  مستعمل المعدات ببيع ما يمتلك من معدات لها عمر إنتاجى مناسب إلى شركة تأجير، على أن تقوم هذه الشركة بإعادة تأجير ذات المعدات للبائع / المستعمل؛ الذي يصبح مستأجراً في عقد التأجير.
ويتم اللجوء إلى هذا الأسلوب عادة لتحقيق الآتي:-
الحصول على رأس مال عامل
تكوين أرباح؛ وذلك عندما تزيد القيمة السوقية العادلة للمعدات عن القيمة الدفترية في حساب مالكها الأصلي.
 إعادة التمويل بأجل متوسط أو طويل؛  إذا كان الشراء قد تم تمويله على أسس قصيرة الأجل.
 تخفيض تكلفة التمويل السابق؛ إذا تمت إعادة التمويل بشروط أفضل.
وتجدر الإشارة لمزايا التأجير التمويلي لكلا طرفيه: المستأجر والمؤجر.
فبالنسبة للمستأجر يمكن رصد المزايا التالية:
1) تمكين المشروع من حيازة الأصول الرأسمالية اللازمة لنشاطه الإنتاجي؛ دون أن يضطر إلى تجميد جزء كبير من أمواله؛ إذا ما قام بشرائها؛ مما يوفر للمشروع مستوى أكبر من السيولة.
2) يمكن للمستأجر سداد إيجار الأصول من عائد إنتاجية هذه الأصول؛ وهى في حالة التشغيل الكامل, ومن ثم  يقل ما يتحمله من أعباء مالية.
3)  تعتبر شروط تأجير الأصول أكثر يسراً وملائمة من الاقتراض, خاصة وأن المخاطرة تصبح مشتركة بين المؤجر والمستأجر.
4) حماية المشروع المستأجر من آثار التضخم في المدى القصير؛ وذلك بالنسبة للأصول الرأسمالية المستأجرة.
 أما بالنسبة للمؤجر فيمكن رصد أهم ما يجنيه من مزايا؛ حيث يعتبر التأجير وسيلة تمويل يمكن إضافتها لنطاق الخدمات؛ التي تقدمها المؤسسات المالية لعملائها (.([33]
يمكن التمييز بين مجموعتين رئيسيتين من عقود التأجير؛ التي تتعامل بها المصارف؛  تبعاً لآجال العقد والتزامات أطرافه :
أولاً:التأجير التمويلي Finance Lease :
يقوم المصرف باستخدام هذا العقد؛ كخدمة تمويلية ؛حيث ينشئ علاقة تعاقدية طويلة الآجل بين المؤجر(المصرف) والمستأجر(طالب التمويل) غير قابلة للإلغاء Non - Cancelable يتم بموجبها تمويل استعمال المعدات خلال كامل أو معظم العمر الإنتاجي للأصل، مقابل قيمة إيجاريه محددة. وعادة ما يبلغ إجمالي القيم الإيجارية المدفوعة؛ خلال مدة العقد معظم أو كامل تكلفة الأصل محل الإيجار؛ بالإضافة إلى هامش ربح مناسب للمؤجر, ويضمن المصرف ماله ببقاء العين المؤجرة في ملكه.
ثانياً: التأجير التشغيلي Operating Lease :
عقد قصير الأجل يغطى مدة تقل كثيراً عن العمر الإنتاجي المتوقع للمعدات المؤجرة؛.حيث يعتمد المصرف على السوق في الحصول على الايجار, أو بيع نفس الأصل.  
وفى كثير من الحالات لا يتم التمييز فقط بين التأجير التمويلي والتأجير التشغيلي, بل أيضاً بين ترتيبات التأجير/ الشراء أو التأجير الرأسمالي The Capital Lease ، وبين التأجير الذي لا يؤدى – بالضرورة-  إلى انتقال ملكية المعدات المؤجرة إلى المستأجر؛ وهو ما يسمى بالتأجير الحقيقي.
لذلك يمكن تقسيم عقود التأجير التمويلي؛ بحسب كيفية التصرف بالأصل؛ عند نهاية الـعقد؛ وفيمــا إذا احتـوى العقد على خيار شراء الأصل Lease with Purchase Option عند نهايته؛ ففي العقود التي لا تحتوى على هذا الخيار قد يكون للمؤجر وحده الحق في القيمة المتبقية للأصل، أو قد يكون للمستأجر الحق في إعادة استئجار الأصل بقيمة إيجاريه رمزية، أو أن يكون له الحق بالمشاركة في قيمة بيع الأصل.
أما في حالة العقود؛ التي تنص على منح المستأجر خيار شراء الأصل من المصرف؛ فإنه يتم وضع ترتيبات تمكن المستأجر من تملك الأصل , مقابل دفعه لسعر شراء متفق عليه(سواء كان بالقيمة السوقية العادلة أو بقيمة رمزية عند نهاية العقد) كما ينص العقد على خيار لتجديد التأجير مع/ أو المشاركة في قيمة بيع الأصل إلى طرف ثالث  (. ([34]
وقد تم تطوير عقد التأجير التمويلي لأغراض المصارف الإسلامية؛ حيث يقوم المصرف بشراء أصول حقيقية مطلوبة من العميل للإجارة, ومن ثم تأجيرها إلى العملاء؛ فيقوم بشراء الأصول المخصصة للإجارة , وبناء على طلبات محددة من العملاء. لكن المصارف الإسلامية لم تجد في هذا النوع من العقود ضالتها؛ فهذه العقود تعرض المصارف إلى درجة عالية من المخاطر تتمثل في تقلبات الأسعار من جهة, ومخاطر سوء الاستخدام وتكاليف الإصلاح من جهة أخرى , كما أن اتفاقية الوعد بالإيجار قد تعاني من مخاطر عدم  الالتزام بالوعد ؛ من ناحية أن المؤجر يتعرض إلى مخاطر الغرر؛ عن طريق دفعه لمعظم العين المؤجرة؛ إضافة إلى تكاليف تلف العين المؤجرة وإلزام المؤجر بالتعويض.([35])
الإجارة الموصوفة في الذمة
الإجارة ([36]): عقد على منفعة مقصوة معلومة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم أركانها :
أ-عاقد:أي مكر أو مكتر.     ب ـ معقود عليه: أي أجر ومنفعة.   ج ـ صيغة: أي ايجاب وقبول.
في تعريف الإجارة لصديقي(1999) قال: إن الاجارة: هي تقديم الشيء مقابل أجرة,ويستخدم مصطلح الإجارة في الفقه الإسلامي بطريقتين مختلفتين: الأولى في حالة استخدام أحد العمال مقابل أجر.والثاني في حالة الإجارة؛ التي تدفع مقابل حق الانتفاع من عقار أو أصول مادية معينة.وبهذا التعريف الأخير نجد أن الإجارة تعني تحويل حق الانتفاع من عقار معين من شخص لآخر مقابل أجرة يدفعها المنتفع.([37])
وأساس العملية أنه عند رغبة العميل في الحصول على تمويل إسلامي لبناء مشروع عقاري؛ بغرض الاستثمار ؛ والذي يتوقع أنه يدر عائداً إيجارياً؛ حيث يتقدم إلى مؤسسات التمويل الإسلامي للحصول على التمويل.([38])
واتفقت المذاهب الأربعة على جواز الإجارة الموصوفة في الذمة, ولم يشترطوا فيها وجود العين عند العقد ؛ لأنها في هذا مثل السلم على صحة تأجيل المنفعة فيها إلى وقت معلوم, كما اتفقت المذاهب الثلاثة - خلا الشافعية-  على جواز إضافة إجارة العين إلى زمن مستقبل.([39])
والهدف من عقد الإجارة الموصوفة في الذمة:.([40]) هو تأجير أصل معمر غير استعمالي(أي بيع منافعه) قبل إنشاءه أو في فترة إنشاءه ،أي بيع منافع أصل معدوم ،وذلك حتى يضمن البنك تدفق مدفوعات التمويل في فترة إنشاء المشروع ،وبعد اكتمال المشروع يتحول العقد إلى عقد إجارة منتهي بالتمليك.
آلية المعاملة:
1)    يتم تحديد التمويل اللازم لبناء العقار وفترة التمويل والعائد المتوقع على التمويل , كما يتم تقييم الأرض؛ التي سوف يقام عليها العقار.
2)    يتم تكوين كيان ذي غرض محدد (s p v) يكون ذو ملكية مشتركة بين المصرف والعميل, وتتكون أصوله من العقار المراد إنشاؤه والتمويل اللازم لذلك, ويمتلك المصرف وصاحب العقار هذا الكيان بنسبة مساهمتهما في أصول هذا الكيان, ومن ثم يكونان شركاء بتلك النسبة.
3) يكون هدف هذا الكيان بناء المشروع وتأجيره على صاحب المشروع بصيغة الإيجار المنتهي بالتمليك .
4)    بعد تملك صاحب المشروع له بالكامل يحل هذا الكيان.
5)    بعد تكوين الكيان يقدم صاحب المشروع وعداً باستئجار المشروع بالفترة المتفق عليها وبالمبلغ المتفق عليه.
6)    يتم الاتفاق أن المستأجر يقوم بدفع أقساط الإجارة في فترة الإنشاء كإجارة للأصل الموصوف في الذمة المتفق على إنشائه.
7)    قد يتفق على مراجعة قيمة الإيجار دورياً, وقد يربط الإيجار بمؤشر يتم الاتفاق عليه.
8)    قد يقوم الكيان بالتعاقد مع المقاول لإدارة البناء والإشراف عليه, وقد يوكل الكيان صاحب المشروع ( وهو الشريك في تملك البناء)للقيام بتلك المهمة.
9)    يقوم الكيان بالتأمين على العقار وإدارته, وقد يوكل ذلك إلى أحد الشركاء في الكيان .
10)             بعد الانتهاء من البناء يقوم صاحب العقار بتوقيع عقد الإيجار المنتهي بالتمليك مع الكيان .
11)             مع كل دفعة للإيجار يشتري صاحب المشروع حصة من نصيب المصرف في الكيان, وفي آخر دفعة للإيجار يكون صاحب العقار قد تملك الكيان بالكامل, ومن ثم تملك العقار.([41])
لقد تم استخدام كل من عقود المشاركة, والإيجار المنتهي بالتمليك , وعقد الوكالة في عمل هذه الأداة التمويلية والتي هي إحدى نتائج الهندسة المالية الإسلامية ,والتي يمكن من خلالها:
1-                   تخليص المصرف الممول من عبء الإدارة والصيانة للعقار الممول ؛عن طريق عقد الوكالة.
2-                   تقليل مخاطر التمويل؛ التي يمكن أن يتعرض لها المصرف؛ حيث إن التمويل مضمون بضمان أصول الكيان.
3-                   انخفاض حجم المخاطرة للمصرف لوجود وعدٍ بالتأجير في فترة البناء.
4-                   بنيت هذه الأداة على عقد المشاركة؛ الذي يمثل هدف للمصرفية الإسلامية.

     (1) العلي, صالح, الحافي, باسل, مرجع سابق, ص19.
(2) العلي, صالح -الحافي, باسل, نظرية العقد في الفقه الإسلامي وتطبيقاته المعاصرة, دار اليمامة,      ص 18.
(3) صوان, محمود حسن, مرجع سابق,ص156.

   (1) فهمي,حسين كامل, مرجع سابق,ص34.
    (1) القرضاوي, محمد يوسف,http://gate,alasmari.net//news_view_138.html
(2) صوان, محمود حسن, أساسيات الاقتصاد الإسلامي, دار المناهج للنشر والتوزيع,2004,ص156-157.
    (1) أبو غدة,عبد الستار, مرجع سابق,ص15.
(2) زاد المستقنع في اختصار المقنع،شرف الدين أبي النجا موسى بن أحمد الحجاوي الدمشقي الحنبلي(895-968هـ),مدار الوطن للنشر ,ص111.
(3) سابق،السيد، فقه السنة، دار الكتاب العربي 1987م،ص150.
   (1) العسقلاني,الحافظ بن حجر من أدلة الأحكام, بلوغ المرام من أدلة الأحكام, دار السلام للنشر والتوزيع,2001,ص262.
    (1) المصري, رفيق يونس,فقه المعاملات المالية,مؤسسة دار البشير للنشر والتوزيع,جدة,1428هـ.
(2) القري, محمد, الأسواق المالية, دار حافظ,1416هـص80-122 .
(3) التجاني,عبد القادر أحمد,السلم بديل شرعي للتمويل المصرفي المعاصر (نظرة مالية واستثمارية),فهرسة المكتبة الوطنية ,السودان,2006,ص26.
    (1) يسري,عبد الرحمن, تطوير صيغ الاستثمار والمشكلات التي تواجهها, حولية البركة,مجموعة دلة البركة ,العدد السادس,2004,ص72.
  (1) التجاني,عبد القادر أحمد, مرجع سابق,2006,ص26.
   (1) التيجاني,عبد القادر أحمد, السلم بديل شرعي للتمويل المصرفي المعاصر , نظرة مالية ومحاسبية, مجلة جامعة الملك عبد العزيز –جدة-2000م.ص76-77
(2) المصري, رفيق يونس, الاستصناع ودوره في تمويل مشروعات البنية الأساسية في المملكة , ندوة التعاون بين الحكومة والقطاع الأهلي في تمويل المشروعات الاقتصادية , مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي , جامعة الملك عبد العزيز بجدة, 1999م ,ص151.
    (1) حمود, سامي, مرجع سابق,ص89.
(2) حمود, سامي , الأدوات التمويلية الإسلامية للشركات المساهمة , البنك الإسلامي للتنمية , بحث رقم 38, جدة 1998م, ص57.
(3) حمود, سامي, مرجع سابق,ص91.
(4) المصري, رفيق, مرجع سابق ص151-153.
    (1) صوان, محمود,حسن, مرجع سابق,ص159.
   (1) الضرير, الصديق, التورق المصرفي(الرأي الفقهي), حولية البركة , مجموعة دلة البركة , العدد السادس, 2004,ص178.
    (1) خوجة, عزالدين,www.islamicfi.com,2009.
(2) السلامي, مختار , التورق المصرفي, حولية البركة , مجموعة دلة البركة , العدد السادس, 2004,ص203.
    (1) الضرير, صديق, مرجع سابق,2004,ص184.
(2) السلامي, مختار, مرجع سابق,2004,ص211
(3) الضرير,الصديق, مرجع سابق,ص183.
   (1) السلامي, مختار,2004, مرجع سابق,ص212.
    (1) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الطب، في باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم،رقم الحديث (5737).
(2) عبد الخالق,سعيد, التأجير كأداة للتمويل – مفهومه وأبعاده. www.tashreaat.com/view_studies2.asp                                                                                     
    (1) قحف, منذر, بيع الأجل مع زيادة الثمن(الليزينق),2009.www.badlah.com.
    (1) عبد الخالق, سعيد, مرجع سابق.
   (1) عبد الخالق, سعيد , مرجع سابق.
(2) عجم,عبد الكريم عبد الجواد,المقاصد الشرعية من عقد الإجارة المنتهية بالتمليك كعقد مطبق في المصارف الإسلامية,ص47.
(3) عمارة, مصطفى محمد, جواهر البخاري وشرح القسطلاني , دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ,2006م , ص179-180.
    (1) صديقي, محمد نجاة , دور المؤسسات المالية في تمويل مشاريع البنية الأساسية, ندوة التعاون بين الحكومة والقطاع الأهلي في تمويل المشروعات الاقتصادية, مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي ,جامعة الملك عبد العزيز,1999,ص343.
(2) الساعاتي,عبد الرحيم عبد الحميد, الإجارة الموصوفة في الذمة وسيلة لتمويل المشاريع في المصارف الإسلامية,2007.
(1) قحف, منذر, الإجارة المنتهية بالتملك وصكوك الأعيان المؤجرة, بحث مقدم في دورة مجمع الفقه الإسلامي الدولي الثانية عشر, الرياض,2000,ص35
(4) الساعاتي,عبد الرحيم عبد الحميد, مرجع سابق 2007, ص1.
   (1) الساعاتي,عبد الرحيم عبد الحميد, الإجارة الموصوفة في الذمة وسيلة لتمويل المشاريع في المصارف الإسلامية,2007.