الأربعاء، 12 مارس 2014

المبحث الثالث تقييم أهداف السياسة النقدية التقليدية وأدواتها من منظور إسلامي



المبحث الثالث
تقييم أهداف السياسة النقدية التقليدية وأدواتها من منظور إسلامي

إن السياسة النقدية تلعب دورا هاما وحيويا في النظام الاقتصادي, ولكن في ظل النظام الاقتصادي الإسلامي لابد من الاعتماد على أدوات للسياسة النقدية تكون مختلفة عن تلك الأدوات التقليدية؛ التي سبق الإشارة إليها؛ وذلك لسببين:
1-                  تحريم التعامل بالربا ؛ بكافة صوره وأشكاله يقول الله تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ , فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ  {(البقرة آية :279,278)
وقال صلى الله عليه وسلم :( لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه)(رواه البخاري في كتاب البيوع ([1]) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (الربا ثلاثة وسبعون باباً،أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه،وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم ) رواه ابن ماجه مختصرا،والحاكم بتمامه،وصححه.([2])
2. اختلاف ثوابت النظام الاقتصادي الإسلامي , وانتقاؤه لأدواته وسياسته عن ثوابت النظام الرأسمالي وانتقاؤه لأدواته وسياساته.إن نظام السوق في النظام الرأسمالي يقوم على مجموعة من القيم ؛أهمها : الحرية, والفردية,وتعظيم المنفعة , والربح كهدف أساسي للفرد, وعدم وجود تعارض بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع ؛ فكل ما هو صالح للفرد هو في مصلحة المجتمع . لذلك لم تكن عدالة التوزيع أو العدالة الاجتماعية , هدفاً للنظام النقدي الرأسمالي؛ فتآكل القوة الشرائية للعملة ؛ نتيجة للتضخم, وآثارها التوزيعية ,والتفاوت الكبير في الدخول والثروة في المجتمع, وانفصال سعر الفائدة عن عائد رأس المال, ووجود النشاط المضاربي(الذي يؤدي إلى انفصال الأسعار السوقية للأصول المالية عن عوائدها , وعن القيمة الفعلية لها , الذي يترتب عليه الإخلال بوظيفة النقود الأساسية ؛ باعتبارها وسيطاً للتبادل ) كل ذلك لا يعد مشكله في النظام النقدي الرأسمالي.([3])
بينما تعتبر العدالة في ظل النظام الاقتصادي الإسلامي من أهم أهداف السياسة النقدية ؛ حيث يقول الله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)(الحديد25).إن من القيم الأساسية للنظام الاقتصادي الإسلامي، التكافل الاجتماعي, وتغليب مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد في حالة التعارض ,والملكية الفردية , والحرية المقيدة بقيود تحقق مصلحة المجتمع, من القيم الأساسية للنظام الاقتصادي الإسلامي.
 لذلك ينبغي على النظام النقدي الإسلامي أن يلتزم بهذه القيم, وأن تصب أهدافه في تحقيق أهداف المجتمع الإسلامي. ولذلك كان سعر الفائدة , والقمار في الأسواق المالية , والسماح أو القيام بتخفيض القوة الشرائية للنقود , من النشاطات المحرمة في النظام النقدي الإسلامي([4]) .
وكما ذكر – سابقاً-  فإن أدوات السياسة النقدية الغير مباشرة تشمل ما يلي:
أولاً: سياسة السوق المفتوحة policy) Open Market :(:
 وهي كما ذكر سابقاً وسيلة مباشرة تؤثر على حجم الائتمان بالتوسع والانكماش, وتتأثر بسعر الفائدة السائد في السوق,  وتؤثر فيه خاصة في الأجل الطويل , ولكن تكمن المشكلة في أنه في ظل النظام الاقتصادي الإسلامي ؛ الذي يحرم التعامل بالربا , يكون من المستحيل اعتماد هذه الأداة كإحدى أدوات السياسة النقدية في نظام إسلامي .
ثانياً: سياسة سعر الخصم (Discount Rate):
يستطيع البنك المركزي التأثير على حجم المعروض النقدي؛ من خلال هذه الأداة ؛ وذلك عن طريق التأثير على سعر الفائدة , ومن ثم التأثير على حجم الائتمان ؛ الذي تمنحه البنوك التجارية, ولكن الشريعة الإسلامية ترفض استخدام هذه الأداة ؛ لاعتمادها على سعر الفائدة المحرم.
ثالثاً: أداة نسبة الاحتياطي القانوني ((The  Legal Reserve Rate:
ذكرنا في الفصل السابق كيف تقوم السلطة النقدية بإلزام البنوك بإيداع نسبة من أرصدة الحسابات الجارية والاستثمارية لدى البنك المركزي؛ وذلك للتأثير على حجم الائتمان , فإذا قام البنك المركزي برفع نسبة الاحتياطي القانوني ؛ فإن هذا سوف يؤدي إلى تخفيض حجم الائتمان الممنوح , وإذا قام البنك المركزي بتخفيض هذه النسبة , فإنه سوف يؤدي إلى زيادة حجم الائتمان الممنوح من قبل البنوك التجارية.
 وذلك لما لهذه النسبة من ارتباط مباشر بمضاعفة الائتمان ؛ فإن مقدرة البنوك التجارية في النظام التقليدي على مضاعفة نقود الودائع يتوقف على حجم النقود؛ التي يتداولها النظام المصرفي, فمن المعلوم أن السياسة النقدية؛ التي تقوم على قاعدة الاحتياطي الجزئي تهيئ للبنوك التجارية الظروف والإمكانات ؛ لتوليد النقود على هيئة ودائع مشتقة؛ فعن طريق المعادلة التالية يمكن حساب الأرباح؛ التي تحققها البنوك التجارية ؛ من خلال عملية التوليد النقدي:
(L-H) /Y                                                                             ×R              (1)
حيث أن :
L : كمية السيولة المحلية ، H    : القاعدة النقدية ، R   : معدل العائد من عملية الاقتراض
Y   : الناتج المحلي الإجمالي.

 
                                     جدول (1-1)
الأرباح الاحتكارية لبعض المصارف الإسلامية وغيرها في ظل الاحتياطي الجزيء كنسبة من الناتج(1)
أرباح منخفضة
أرباح متوسطة
أرباح مرتفعة
السنغال             1.0
بنجلادش               4.1
تركيا                  26.3
اليمن                0.9
الجزائر                 3.8
لبنان                  17.9
بنين                  0.8
قطر                    3.6
إندونيسيا              15.2
مالي                  0.8
قرقيزيا                 3.5
السودان               13.7
غينيا بيساو           0.7
عمان                   3.2
البحرين                8.7
ليبيا                  0.6
السعودية                2.8
الكويت                8,3
أذربيجان             0.6
الجابون                 2.4
ماليزيا                8.1
موريتاني             0.5
الإمارات               2.3
ألبانيا                  7.0
تشاد                   0.5
تونس                   1.9
المغرب                7.0
النيجر                 0.3
الكاميرون              1.8
مصر                  6.9
غينيا                   0.2
سيراليون               1.6
الأردن                 5,9
كازاخستان            0.2
سورينام                1.5
باكستان                5.1

إيران                   1.2


سوريا                   1.2

    
وتشير هذه البيانات-  من الجدول السابق- إلى حجم الأرباح الاحتكارية ، التي تحققها البنوك التجارية من عملية توليد النقود, وعملية الدعم؛ الذي تقدمه البنوك المركزية لهذه البنوك ؛ من خلال نظام الاحتياطي الجزئي؛ في حين أن تلك البنوك المركزية بإمكانها تحقيق عوائد ضخمة مقابل تطبيق نظام الاحتياطي الكلي , ومن ثم يكون من السهل القضاء على عمليات الاستدانة ؛ التي قد تحتاج إليها الدول.
إن عملية خلق الودائع المشتقة ,في ظل النظام الاقتصادي الإسلامي, تخضع للكثير من الاعتراضات الفقهية؛ فالبنوك الإسلامية يجب أن تستثمر وتوظف نقود حقيقية تكون في حوزتها ومسموح لها بالتصرف فيها ؛ وعلى هذا فان البنوك الإسلامية لا تقوم بمضاعفة الائتمان, وخلق الودائع ؛فهي لا تبيع مالا تملك ,ولا تتجر فيما ليس فيها,ولا تتعامل بالربا.(1)


   (1) العسقلاني،الحافظ ابن حجر، بلوغ المرام من أدلة الأحكام، مع تعليقه اتحاف الكرام, فضيلة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، دار السلام للنشر والتوزيع،الرياض،1421هـ -2001م،ص254.
(2) العسقلاني ، الحافظ ابن حجر ، مرجع سابق ،ص255.
   (1) الساعاتي , مرجع سابق ,ص2.
(2) الساعاتي , مرجع سابق ص2.
3) shabra, umer, monetary, policy in an Islamic Economy, international centre for research in Islamic economy.
   (1) الجارحي, معبد علي, السياسة النقدية في إطار إسلامي, دراسات اقتصادية إسلامية, المجلد التاسع 1423هـ-2002م.
   (1) الكفراوي. محمد عوف , مرجع سابق.